النصارى العرب. ولكننا نستطيع أن نقول قياسا على ما نعرفه من أحوال الأعراب وأحوال أهل القرى، أي الحضر، أن النصرانية كانت أوضح وأعمق جذورا في نفوس أهل المدر، منها في نفوس أهل الوبر. أما الأعراب فكانت نصرانيتهم اسمية في الغالب شأنهم شأن أعراب هذا اليوم، وأعراب كل زمان، متدينون بدين، ولكنهم لا يعرفون من دينهم إلا الاسم، دينهم الصحيح، الذي يغلب على نفوسهم هو دين الفطرة، أعني العرف الذي ولدوا ونشأواعليه. ولكن الرهبان ورجال الدين كانوا يتنقلون بين القبائل لتنصيرهم، حاولوا جهدهم تعليمهم قواعد النصرانية وأصولها، ومنها: عدم إغارة بعضهم على بعض، والعيش بعضهم مع بعض بسلام، حتى إنهم أثروا على بعض ساداتهم فحملوهم على الزهد والدخول في الرهبنة وكره الدماء، فذكر مثلا أنهم أثرواعلى "داود بن هبالة" سيد "بني سليح"، من قضاعة، فأدخلوه في النصرانية، "وكره الدماء وبنى ديرا، فكان ينقل الطين على ظهره والماء فسمي اللثق، فنسب الدير إليه، وأنزله الرهبان"، واعتزل الغزو إلى أن أمره ملك الروم به، فلم يجد بدا من أن يفعل، وقد كانت العرب تتهم القبائل العربية المتنصرة بعدم قدرتها على القتال، وتستهين بها إذا ما التحمت بها في قتال.
والشعر النصراني، شعر سهل لين بالنسبة إلى شعر الشعراء الأعراب، وقد علل علماء الشعر ذلك بكون هؤلاء الشعراء من سكنة القرى والأرياف، ومن سكن القرية أو الريف لان لسانه ورقّ كلامه، ولهذا قالوا إن في شعر شعراء القرى لا مثل أهل مكة ويثرب ليونة، لأنهم لم ينبتوا في البوادي، ولم يقاسوا ما يقاسيه الأعراب من خشونة وشدة وضنك في الحياة، بل عاشوا في استقرار وأمان في حياة ناعمة بالقياس إلى حياة الأعراب، ولهذا لان لسانهم، وسهل شعرهم، وصار من السهل على صناع الشعر ومزوريه صنع الشعر على ألسنتهم، كالذي فعلوه من وضع شعر كثير على لسان "عدي بن زيد" العبادي النصراني، وعلى شعر أمية بن أبي الصلت، وهو من شعراء ثقيف، وعلى شعر "حسان بن ثابت"، وهو من شعراء يثرب.
ولا يختلف الشعر النصراني عن شعر الشعراء الوثنيين بشيء، اللهم في تطرق
١ أسماء المغتالين "المجموعة السادسة من نوادر المخطوطات" "ص١٢٧".