للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عض مكروه به جزعا

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره ... يكون متبعا طورا ومتبعا

حتى استمرت على شزر مريرته ... مستحكم السن لا قحما ولا ضرعا١

وأنا إذ أذكر "لقيط بن يعمر" في هذا الفصل، فلا أريد بذلك إثبات أنه كان من الشعراء النصارى، لأني لا أملك نصا بذلك، إنما أدخلته هنا لمجرد أنه شاعر من شعراء إياد، كما أدخلت "أباد دؤاد" الإيادي فيه لما ذهب "نالينو" إلى أنه من النصارى، وقد كانت النصرانية متفشية في إياد وتغلب، وقبائل أخرى من قبائل العراق وبلاد الشام، والبادية التي بينهما.

أما "عدي بن زيد" العبادي، فهو نصراني من غير شك، فالعباديون، نصارى، وأطلقت اللفظة عند العرب على النصارى، نصارى الحيرة، كما نص أهل الأخبار على تنصره. وقد كان شعره سهلا لينا، بعيدا عن شعر شعراء نجد، قال الأصمعي": "كانت الرواة لا تروي شعر أبي دؤاد ولا عدي بن زيد لمخالفتهما مذاهب الشعراء"٢ أو "لأن ألفاظهما ليست بنجدية"٣. وقد روى "الجواليقي" له شعرا في كتابه "المعرب"، وهو كتاب ألفه في المعربات، وفي استشهاده بشعره دلالة على تأثره بالآرامية وبالفارسية التي درسها في "الكتاب"٤.

وإذا أخذنا بمذهب "الأصمعي" من أن الرواة كانت لا تروي شعر أبي دؤاد ولا عدي بن زياد، لمخالفتهما مذاهب الشعراء، وما ذكره غيره لأن ألفاظهما ليست نجدية، ولأن عديا سكن الريف، فلأن شعره وبان ذلك على لسانه، ولأنه تأثر بلغة أهل الحيرة، واستعمل ألفاظهم، وما شاكل ذلك من حجج، وجب علينا رفض الاستشهاد بشعر "أمية بن أبي الصلت" كذلك، فقد كان من أهل قرية، وقد استعمل في شعره ألفاظا لم تعرفها العرب، وقرأ الكتب، كما يجب إدخال الأعشى معهما أيضا، لأنه خالط أهل الريف، واتصل بالحضر وبالأعاجم، واستعمل في شعره ألفاظا معربة، كما اختلف مذهبه في الشعر عن


١ بلوغ الأرب "٣/ ١١٤ وما بعدها"، الشعر والشعراء "١/ ١٣٠".
٢ الأغاني "٢/ ١٨"، "١٥/ ٩١ وما بعدها".
٣ الشعر والشعراء "١/ ١٦٢".
٤ كارلو نالينو، تأريخ الآداب العربية "٩٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>