للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب شعراء البادية الأعراب، فضلا عن كونه من أهل اليمامة، وأهل اليمامة ممن اختلط لسانهم بلسان أهل اليمن، وتأثر بهم.

ويخالف شعر "عدي" شعر شعراء نجد في ابتعاده عن الأعاريض الطويلة وميله إلى الأعاريض القصيرة، كما يخالفهم في أسلوب خمرياته، فهو في وصفه الخمر قريب من أسلوب "الأعشى" في الخمريات. وله أوصاف بديعة للخمر، تعبر عن مع أن حضري، نابعة من طبيعة القرى والريف، وبهذا الوصف اختلف عن وصف امرئ القيس أو غيره من الشعراء للخمر. كما امتاز بوصفه القيان ومجالس الشرب، وما كانت تولده له من نشوة وطرب، واتخذ "عدي" من الخمر، فلسفة دفعته إلى الزهد ونبذ الغرور، لأن الدنيا زائلة، وكل شيء فيها لا بد وأن ينتهي إلى زوال. وهو شعر انبثق من طبيعة "عدي بن زيد" ثم من الأحوال التي مرت عليه، والتي انتهت به إلى السجن، بعد أن وصل أعلى ما يصل إليه إنسان في زمانه وفي مكانه.

واتخذ "عدي" من القصص القديم عبرا وجهها من سجنه إلى "النعمان" وإلى الشامتين به، الحاسدين له، الذين كانوا سبب نكبته، بأن قال:

أيها الشامت المعير بالدهـ ... ـر أأنت المبرأ الموفور

أم لديك العهد الوثيق من الأيام ... بل أنت جاهل مغرور

من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير

أين كسرى كسرى الملوك ... أنو شروان أين قبله سابور

وبنو الأصفر الكرام ملوك الروم ... لم يبق منهم مذكور

وأخو الحضر إذ بناه وإذا ... دجلة تجبي إليه والخابور

شاد مرمرا وجلله كلـ ... ـسا فللطير في ذراه وكور

لم يهبه ريب المنون فباد المـ ... ـلك عنه فبابه مهجور

وتذكر رب الخورنق إذ شـ ... ـرف يوما وللهدى تفكير

سره ماله وكثرة ما يمـ ... ـلك والبحر معرضا والسدير

فارعوى قلبه فقال وما غبطة ... حي إلى الممات يصير

ثم بعد الفلاح والملك والأ ... مة وأرتهم هناك القبور

ثم أضحوا كأنهم ورق جـ ... ـف فألوت به الصبا والدبور١


١ الشعر والشعراء "١/ ١٥٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>