للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله شعر آخر أوله:

أتعرف رسم الدار من أم معبد ... نعم فرماك الشوق قبل التجلد

قال فيه:

أعاذل ما يدريك أن منيتي ... إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد

ذريني فإني إنما لي ما مضى ... أمامي من مالي إذا خف عودي

وحمت لميقات إلي منيتي ... وغودرت قد وسدت أو لم أوسد١

وهو شعر نبع من واقع حاله الذي صار إليه، فهو لا يدري متى وفي أية ساعة ستأتيه منيته. ومن زج في سجن مثل سجنه، وصار في حال مثل حاله، يكون قلقا لا يدري ما الذي سيكون مصيره، فهو شعر يعبر عن شعور إنساني ينتاب الإنسان في مثل هذه الموقف، ليس له علاقة بنصرانية أو بدين.

والشعر المذكور إن صح أنه من شعر "عدي"، وأنه غير مصنوع ولا معمول عليه، يكون قد قدم لنا قصصا قديما من قصص أهل الجاهلية، وحكايات كانوا يروونها من حكايات التأريخ، ويكون بذلك شاهدا على أن أهل الحيرة، والمثقفين منهم بصورة خاصة كانوايعرفون تأريخ الماضين وقد وقفوا على تأريخ الفرس وتأريخ الروم، والحضر، وتأريخ غيرهم من شعوب معاصرة لهم، ومن شعوب غابرة، وردت أخبارها في الكتب القديمة، ولا سيما في الكتب المقدسة وفي كتب التواريخ. فنحن نجد له قصيدة أشار فيها إلى خطيئة آدم، وهذه الخطيئة تلعب دوراخطيرا في كل الأديان السماوية المعروفة التي أقرت بالكتب المقدسة، وقد صاغ قصتها على هذا النحو.

قضى لستة أيام خليقته ... وكان آخرها أن صور الرجلا

دعاه آدم صوتا فاستجاب له ... بنفخة الروح في الجسم الذي جبلا

ثمت أورثه الفردوس يعمرها ... وزوجه صنعه من ضلعه جعلا

لم ينههُ ربه عن غير واحدة ... من شجر طيب أن شم أو أكلا

فكانت الحية الرقشاء إذ خلقت ... كما ترى ناقة في الخلق أو جملا

فعمدا للتي عن أكلها نهيا ... بأمر حواء لم تأخذ له الدغلا

كلاهما خاط إذ بُزا لبوسهما ... من ورق التين ثوبا لم يكن غزلا

<<  <  ج: ص:  >  >>