للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلاطها الله إذ أغوت خليقته ... طوال الليالي ولم يجعل لها أجلا

تمشي على بطنها في الدهر ما عمرت ... والترب تأكله حزنا وإن سهلا

فأتعبا أبوانا في حياتهما ... وأوجدا الجوع والأوصاب والعلالا

وأوتيا الملك والإنجيل نقرؤه ... نشفي بحكمته أحلامنا عللا

من غير ما حاجة إلا ليجعلنا ... فوق البرية أربابا كما فعلا

والشعر هذا مذكور في كتاب "الحيوان" للجاحظ، وفي ذكره له، دلالة على أنه قد كان معروفا في أيامه، وهو يستند على ما ورد في "سفر التكوين" السفر الأول من أسفاره التوراة، وفيه قصة الخليقة، ونجد قصة "الحية" في شعر "أمية بن أبي الصلت"، حيث يقول:

كذي الأفعى ترببها لديه ... وذي الجني أرسلها تساب

فلا رب البرية يأمننها ... ولا الجني أصبح يستتاب

وقد دون هذين البيتين "الجاحظ" كذلك في كتابه: "الحيوان"، مما يدل على أنهما كانا معروفين، وهما من قصيدة ذكرها الجاحظ قبلهما في رطوبة الحجارة، وأن كل شيء قد كان ينطق، ثم عن منادمة الديك الغراب، واشتراط الحمامة على نوح٢.

وقصة "عدي" قصة أوضح وأقرب إلى الأصل المذكور في الإصحاحات الثلاثة الأولى من سفر التكوين، من القصة المذكورة في الشعر المنسوب إلى "أمية". يظهر أن ناظمها قد صاغها عن مطالعة وعن إلمام عام بها. فهي في الواقع قصيدة شملت قصة دينية، ضمت أسطورة الخلق كما جاءت في الإصحاحات المذكورة، مع بعض "الرتوش" والإصلاحات التي اقتضتها طبيعة نظم الشعر، وقد لخصها تلخيصا حسنا قريبا من الأصل، يدل على إحاطة به، ولعله من وضع شاعر أحب صوغ هذه القصة في شعر، فنظمها ونسبها إلى "عدي بن زيد".

وقد ظل العباد يتغنون بخمريات وبشعر "عدي" أمدا طويلا بعد وفاته. وقد كان "القاسم بن الطويل" العبادي، أحد ندماء "الوليد" الثاني ممن يروون


١ الحيوان "٤/ ١٩٧ وما بعدها".
٢ الحيوان "٤/ ١٩٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>