للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتثير في الشاعر شعورا بروعة المناسبة وبروعة الاجتماع، فلا بد وأن ينظم الشعراء شعرا فيه، لإنشاده على المتجمعين حول الصنم، غير أننا لا نملك أي شعر قيل فيه ولا في المناسبات الدينية المماثلة التي تدفع الإنسان إلى إظهار شعوره فيها. وهو أمر يلفت إليه النظر حقا، ويجعلنا نفكر في الأسباب التي أدت إلى عدم ظهور الروح الدينية في هذاالشعر، هل هي طبيعة العربي في عدم اهتمامه بأمور الدين أم هي بسبب كره الإسلام رواية وحفظ ذلك الشعر الوثني!

لقد نسب بعض المستشرقين خلو الشعر الجاهلي من الوثنية، إلى ترك المسلمين تعمدا رواية ذلك الشعر، بسبب دخولهم في الإسلام واجتثاث دين الله لمعالم الشرك فلم يجد المسلم أن من الهين عليه، حفظ شعر فيه تنويه بما أبطله وحرمه كتاب الله، فرموا منه ما كان ثقيل الوثنية، وهذبوا منه ما كان خفيف الوزن، بأن رفعوا أسماء الأصنام، وأحلوا محلها اسم الله إن ناسب الاسم المعنى، أو شذبوا فيه وأضافوا شيئا عليه لإزالة معالم الوثنية منه. لأن من الصعب تصور إعراض الشاعر الجاهلي عن ذكر أصنامه في شعره، بينما هو يتوسل ويتقرب إليها، وينذر لها. فالوثني مهما كان رقيق الدين، بعيدا عن التفكير فيه، فإنه لا بد وأن يلجأ إليه ساعة الشدة وأيام المحن، حيث يبحث عمن يساعده للخروج من محنته، شأنه في ذلك شأن أي إنسان آخر، حين تتنزل به النوازل، فيلجأ حينئذ إلى إلهه أو آلهته وأصنامه وإلى القوى الطبيعية يستمد منها المساعدة والعون١.

وأنا لا أستبعد احتمال موت هذا النوع من الشعر الوثني بسبب الإسلام، فليس من المعقول إبقاء الإسلام له، وفيه ما فيه من أمر الأصنام والوثنية المناهضة لدين الله. وعندي أن الجاهلي، مهما قيل عنه من إعراضه عن الدين ومن عدم احتفاله به، ومن بعده عنه، إلا أنه كان مع ذلك شديد التمسك به في الأمور التي تمس حياته، مثل التوسل إلى الآلهة بأن تبارك في إبله، وأن تمنحه الغيث، وأن تشفيه من مرضه، إلى غير ذلك من أمور، ذات صلة بالمصالح الشخصية للإنسان.

ودليل ذلك، هو أن معظم ما نجده في نصوص المسند من كتابات، خلدت أسماء الأصنام، إنما دونت فيها الأسماء لمثل هذه الأمور فإذا كان الأمر كذلك فنحن لا نستطيع استثناء الشعر الجاهلي من ذكر الأصنام في أمثال هذه المناسبات


١ Goldziher, History of Classical Arabic Poerty, p. ٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>