للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الرجل منهم ربما بخل بشائه فيصيد ظباء فيذبحهاعن غنمه في رجب ليوفي نذره١.

ومن الشعراء من غلبت عليه نزعة التبرم من هذه الدنيا، وذكر الموت والاتعاظ به، وعلى رأس هؤلاء "عدي بن زيد" العبادي، النصراني، وهو خير من يمثل هذه النزعة التصوفية، التي ترى أن اللذة لا تدوم، وأن السعادة مؤقتة زائلة، وأن على الإنسان أن يتعظ بمن عاش قبله من الملوك العظام، والأمم القوية، وممن نزع هذا المنزع وإن كان دون "عدي" بكثير "الأسود ين يعفر"، في قوله:

ماذا أؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إياد

أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد

إلى أن قال:

أين الذين بنوا فطال بناؤهم ... وتمتعوا بالأهل والأولاد

فإذا النعيم وكل ما يلهى به ... يوما يصير إلى بلى ونفاد

وآخرها:

فإذا وذلك لا نفاد لذكره ... والدهر يعقب صالحا بفساد٢

غير أن هذه النزعة، لم تكن ناتجة عن رأي وعن فلسفة ودراسة تأمل لهذه الحياة، وإنما هي نزعة نجدها عند من أصيب بنكبة وعند من حلت به مصيبة، وعند المسنين الذين غلب العمر عليهم، فجعلهم حطاما وكومة عظام، لا يستطيعون الوقوف على أرجلهم، فهم متعبون لا يجدون من يصغي إليهم أو من يعطف عليهم، أو من يساعدهم في الخروج من المأزق التي وقعوا فيها، فتبرموا لذلك من الحياة، وأخذوا يذمونها، وإنما هم يذمونها لأنهم صاروا في حال لا يتمكنون


١ مجالس العلماء "٢٠".
٢ السيوطي، شرح شواهد "١/ ١٣٨"، "٢/ ٥٥٢ وما بعدها" المفضليات "٢١٦" الأغاني "١١/ ١٢٩"، ابن سلام "١١٩"، الشعر والشعراء "١/ ١٧٦ وما بعدها" الجمان في تشبيهات القرآن "٣٠٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>