للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام١. وكان ملحفا شديد البخل، لا يقف إلحافه في السؤال عند حد، ولا يخجل من التصريح في الاستكداء وفي إذلال نفسه في الحصول على مال. طاف في الآفاق يمتدح الأمائل ويستجديهم. وقد عد في البخلاء. "قيل بخلاء العرب أربعة: الحطيئة، وحميد الأرقط، وأبو الأسود الدؤلي، وخالد بن صفوان"٢. وقيل عنه إنه كان "دنيء الطبع، لئيم النفس، كثير الطمع، جعل الشعر متجرا، فكان له من الهجاء معاش ومكسب لأن الناس كانوا يهدون له الهدايا خوفا من شره. فقال الأصمعي: كان الحطيئة جشعا سئولا ملحفا دنيء النفس، كثير الشر قليل الخير، بخيلا قبيح المنظر، رث الهيئة مغموز النسب، فاسد الدين، وما تشاء أن تقول في شعر شاعر ما من عيب إلا وجدته فيه، وقلما تجد ذلك في شعره"٣، كان لا يبالي من هجو من سبق أن مدحه وأثنى عليه، لإغداقه المال عليه، بل يظهر أنه كان من ذلك الفريق من الناس المرضى النفوس الذين كانوا يسيئون إلى من أحسن إليهم، بل كانوا أول من يسيء إلى من أحسن إليهم، لعقد مستعصية في النفس.

وكان قصير القامة، ولقصره هذا لقب بالحطيئة. وكان ذميما، قبيح الوجه، سيئ الهيئة، ولعل هذه الأمور هي التي صيرته سيئ الطبع، هجاء لكل أحد، فلا يسلم من لسانه أحد. فلما هجا أباه، بأبيات قاسية شديدة منها:

فنعم الشيخ أنت لدى المخازي ... وبئس الشيخ أنت لدى المعالي

جمعت اللؤم لا حياك ربي ... وأبواب السفاهة والضلال

قيل: "كان الحطيئة يرعى غنما له، وفي يده عصا. فمر به رجل فقال: يا راعي الغنم ما عندك؟ قال: عجراء من سلم. يعني عصا. قال: إني ضيف. فقال الحطيئة للضيفان أعددتها"٤.


١ الإصابة "١/ ٣٧٧ وما بعدها"، "رقم ١٩٩١"، العمدة "١/ ٨١ وما بعدها"، البيان "٢/ ١٣ وما بعدها"، الخزانة "١/ ٤٠٨"، الأغاني "٢/ ٤١ وما بعدها"، "١٦/ ٣٨"، الطبقات، لابن سلام "٩٢ وما بعدها"، ديوان الأعشى "القاهرة ١٩٥٨م"، "نعمان أمين طه"، الخزانة "٢/ ٤٠٦"، "هارون"، "١/ ٤٠٩"، "بولاق".
٢ السيوطي، شرح شواهد "١/ ٤٧٧ وما بعدها".
٣ كارلو نالينو، تأريخ الآداب العربية "١٠٩ وما بعدها".
٤ البيان والتبيين "٢/ ١٤٧"، "٣/ ٨٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>