للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت شائعة عند الفرس معروفة، يحافظون عليها ويتداولونها، منها استمد المؤرخون العرب الإسلاميون أخبار الفرس ومن حكم منهم من ملوك١.

ولقد قال "كولد تزهير" و "بروكلمن" بوجود أثر فارسي في ظهور علم التأريخ عند المسلمين٢. أما أثر الموارد الفارسية في مادية الفصول المدونة عن الفرس وعن ملوك الحيرة، فواضح ظاهر، ولا يمكن لأحد الشك فيه، وأما أثرها فيما عدا ذلك، ولا سيما في كيفية عرض التأريخ وفي أسلوب تدوينه وتبويبه؛ فدعوى أراها غير صحيحة؛ لأن طريقة الابتداء بالزمان ثم ابتداء الخلق وعدد أيام الخلق وخلق آدم ثم التحدث العام عن الأنبياء بحسب تسلسل رسالاتهم، وهي الطريقة التي سار عليها من دوّن في التأريخ العام للمسلمين مثلًا، كما فعل "الطبري" في تأريخه، طريقة لا يمكن أن تكون فارسية؛ لأن الفرس مجوس، والمجوس لا يعتقدون بهؤلاء الرسل والأنبياء. والصحيح أنها طريقة المؤرخين الذين جاءوا بعد الميلاد؛ فهم الذين روّجوا الأسلوب المذكور في تدوين التأريخ. ويمكن إدارك ذلك من المقابلة بين الأسلوبين: الأسلوب الإسلامي في تدوين التأريخ وفي كيفية تبويبه وتصنيفه وأسلوب الكتب التأريخية المدوّنة في اليونانية وفي السريانية إلى زمن تدوين التأريخ عند المسلمين.

والرأي عندي أن علمنا بأسلوب التأريخ عند الفرس: كيفية عرضه وطرقه وتبويبه علم نزر؛ لأن ما وصل إلينا من كتبهم معدود محدود، وما ورد فيه سير ملوكهم وأيامهم وما نجده مترجمًا ومنشورًا في المؤلفات العربية، هو من نوع القصص الذي يغلب عليه الطابع الأدبي، فيه أدب السلوك ومواعظ الحكم وأقوال في الحكمة، وحتى القسم المتصل منه بالتأريخ قد وضع بأسلوب عاطفي أدبي. ومن هنا ابتعد عن أسلوب المؤرخين اليونان واللاتين، وعن أسلوب المؤرخين الذين ظهروا بعد الميلاد. وقد يكون لاختلاف الذوق دخل في اختلاف الأسلوبين. ومهما يكن من أمر فأنا لا أريد أن أكون متسرعًا عجولًا في إصدار حكم على فن التأريخ عند الفرس، فأبغض الأشياء إليّ التسرُّع في إصدار الأحكام


١ المسعودي: مروج "١/ ١٤٦"، "وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي، عن عمر كسرى في كتاب له في أخبار الفرس يصف فيه طبقات ملوكهم ممن سلف وخلف...."، المروج "١/ ١٩٩"، والتنبيه والإشراف "ص٩٢".
٢ الموسوعة الإسلامية، مادة: تأريخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>