للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في تدوين تاريخ ملوك الروم، وقد صارت طريقتهم، كما قلت سابقًا أنموذجًا للمؤرخين ساروا عليه في عرض التأريخ وفي تدوينه؛ غير أن هذا النقل لم يكن ويا للأسف قد تجاوز هذا الحد؛ فكان ضيق المجال محدود المساحة، وقد كان من الواجب عليهم الاستعانة بتلك الموارد في علاقات العرب بالروم وفي موضوع النصرانية في بلاد العرب على الأقل، وهي موارد فيها مادة مفيدة في هذا الباب.

وأودّ أن أشير إلى الخدمة التي أدّاها علماء الأخبار برجوعهم إلى الشّيب وإلى حفظة أخبار القبائل من مختلف القبائل لجمع أخبار القبائل وإيامها وحوادثها قبل الإسلام. وقد وضعت في ذلك جملة مؤلفات ضاع أكثرها ويا للأسف، ولم يبقَ منها إلا الاسم؛ ولكننا نجد مع ذلك مادة غنية واسعة منها في كتب الأدب، أستطيع أن أقول أنها أوسع وأنفع بكثير من هذه المواد المدونة المجموعة في كتب التأريخ. وهذا شيء غريب؛ إذ المأمول أن تكون كتب التأريخ أوسع مادة منها في هذا الباب، وأن تأخذ لب ما ورد فيها؛ مما يخص التأريخ لتضيفه إلى ما تجمع عندها من مادة. والظاهر أن المؤرخين، ولا سيما المتزمتين منهم المتقيدين بالتأريخ على أنه حوادث مضبوطة مقرونة بوقت وبمكان وبعيدة عن أسلوب الأيام والقصص، رأوا أن ذلك المروي عن أخبار القبائل والأنساب وحوادث الشعراء هو ذو طابع أدبي أو طابع خاص لا علاقة له بالحكومات والملوك؛ فلم يأخذوا به، وتركوه؛ لأنه خارج حدود موضوع التأريخ كما فهموه. وهو فهم خاطئ لمفهوم التأريخ ولمفهوم الموارد التي يجب أن يستعان بها لتدوينه. فأضاعوا بذلك مادة غزيرة لم يدركوا أهميتها وفائدتها إذ ذاك. وإهمالهم لتلك الموارد هو من جملة مواطن الضعف التي نجدها عند أولئك المؤرخين. أما نحن؛ فقد وجدنا فيه ثروة تزيد كثيرًا على الثروة الواردة في مؤلفات المؤرخين. وإهمال المؤرخين لتلك الموارد هو من أسباب الضعف التي نجدها في فهمهم للمنابع التي يجب أن يستعان بها في تدوين التأريخ.

وإذا كان القدامى قد أخطئوا في فهم معنى التأريخ، ووقعوا من ثم في خطأ بالنسبة إلى الموارد التي يجب أن يرجع إليها في تدوين تأريخ الجاهلية؛ فعلينا يقع في الزمن الحاضر وعلى القادمين من بعدنا بصورة خاصة واجب مراجعة الموارد الأخرى من كتب في التفسير وفي الحديث وفي الفقه وفي الأدب وغير ذلك، لاستخراج ما فيها من مادة عن الجاهلية، لأنها كما قلت أغزر مادة وأقرب إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>