للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حائط المسجد١ لوح من حجارة، فيه كتابة باليونانية؛ فعرض على جماعة من أهل الكتاب فلم يقدروا على قراءته، فوجّه به إلى وهب بن منبه، فقال: هذا مكتوب في أيام سليمان بن داوود، عليهما السلام، فقرأه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. يا ابن آدم، لو عاينت ما بقي من يسير أجلك، لزهدت فيما بقي من طول أملك، وقصرت عن رغبتك وحيلك؛ وإنما تلقي قدمك ندمك إذا زلّت بك قدمك، وأسلمك أهلك، وانصرف عنك الحبيب، وودعك القريب، ثم صرت تُدعى فلا تجيب، فلا أنت إلى أهلك عائد، ولا في عملك زائد؛ فاغتنم الحياة قبل الموت، والقوة قبل الفوت، وقبل أن يؤخذ منك بالكظم، ويحال بينك وبين العمل. وكتب في زمن سليمان بن داوود٢".

وفي كتاب "التيجان في ملوك حمير" رواية ابن هشام نماذج لقراءته، وهي على هذا النسق الذي يدل على سخريته بعقول سامعيه إن كان ما نسب إليه حقًّا، وأنه قرأه عليهم صدقًًا، ومن يدري؟ فلعلّه كان لا يعرف حروف اليونانية، ولا يميّز بينها وبين الأبجديات الأخرى. ثم هل يعجز أهل دمشق عن قراءة نصّ يوناني أو سرياني أو عبراني وقد كان فيها في أيام وهب بن منبه علماء فطاحل حَذَقة بهذه اللغات هم نفر من أهل الكتاب؟

والذي يهمنا من أمر "وهب بن مبنه" أخباره عن الجاهلية. ولوهب أخبار عن اليمن والأقوام العربية البائدة، ونجد روايته عن نصارى نجران وتعذيب "ذي نواس" إياهم، وقصة الراهب "فيميون" مطابقة للروايات النصرانية ولما جاء في كتاب "شمعون الأرشامي" عن هذا الحادث٣. والظاهر أنه كان قد أخذها من المؤلفات النصرانية أو من أشخاص كانوا قد سمعوا بما ورد عن حادث "نجران" من أخبار. وقد ذكر أن وهبًا كان يستعين بالكتب، وأن أخاه "همام بن منبه بن كامل بن شيخ اليماني" أبا عقبة الصنعاني الأبناوي، كان يشتري الكتب لأخيه٤. ولعلّه استقى أخباره عن بعض الأمور المتعلقة


١ يعني مسجد دمشق، وذلك في أيام الخليفة الوليد.
٢ مروج الذهب "٢/ ١٥١ وما بعدها". "طبعة عبد الرحمن محمد".
٣ راجع الطبري "٢/ ١٠٣"، أيضًا ما كتبته فيه في الجزء الأول من مجلة المجمع العلمي العراقي في "موارد تأريخ الطبري" سنة ١٩٥٠م.
٤ تهذيب التهذيب "١١/ ٦٧"، ابن سعد "٥/ ٣٩٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>