للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالة جزيرة العرب في ذلك العهد، وقد تحسنت الأخبار اليونانية واللاتينية منذ الميلاد فما بعد تحسنًا عظيمًا، ومرد ذلك إلى الاتصال المباشر الذي تم منذ ذلك العهد وما بعده بين اليونان واللاتين والعرب، وإلى الأطماع السياسية التي أظهروها تجاه جزيرة العرب، تلك الأطماع التي جعلتهم يسلكون مختلف الطرق للحصول على معلومات عن بلاد العرب، وحالة سكانها، ومواطن الضعف التي لديهم للولوج منها في بلادهم، ولتحقيق مطامع استعمارية رمت ابتلاع جزيرة العرب. ولذلك اعتبروا ما يحصلون عليه من أخبار عن هذه البلاد من أسرار الدولة التي لا يجوز إفشاؤها ولا عرضه للناس، وهي قد جمعت أضابير وخزنت في الإسكندرية لم يسمح إلا لبعض الخاصة من العلماء الثقات الاستفادة منها.

ويعود غالب علمنا بأحوال السبئيين إلى الكتابات السبئية التي عثر عليها في مواضع متعددة من العربية الجنوبية، ولا سيما في الجوف مقر السبئيين، وهي أكثر عددًا من الكتابات المعينية والقتبانية والحضرمية وغيرها، وهي تشاركها في قلة عدد المؤرخ منها. وقد أرخ قسم من النصوص المؤرخة بأيام حكم سبأ أو بأيام أصحاب الجاه والنفوذ ولذلك صعب على الباحثين تثبيت تواريخها حسب التقاويم الحالية المستعملة عندنا، لعدم علمهم بأيام حكمهم، وبشخصياتهم، وصار تقديرهم لها تقديرًا غير مؤكد ولا مضبوط، بتقويم حمير الذي يبدأ، عادة بحوالي السنة "١١٥" قبل الميلاد، أو السنة "١٠٩" قبل الميلاد، على بعض الآراء، فإن من السهل علينا تثبيت زمنها بالنسبة لسني الميلاد، وذلك بطرح الرقم "١١٥" أو "١٠٩" من التقويم الحميري، فيكون الناتج من السنين التأريخ حسب التقويم الميلادي بصورة تقريبية.

ومبدأ تقويم حمير هو السنة التي تلقب بها ملوك سبأ بلقب جديد، هو لقب "ملك سبأ وذو ريدان" وهو لقب يشير إلى حدوث تطور خطير، في حكم ملوك سبأ، إذ يعني أن ملوك سبأ أضافوا إلى ملك سبأ ملكًا جديدًا، هو أرض "ذو ريدان" أرض الريدانيين، وهو الحميريين، فتوسع بذلك ملكهم، وزاد عدد نفوسهم، فأرخوا بسنة التوسع هذه، واعتبروها مبدأ لتقويم، والعلماء الباحثون في تأريخ سبأ، هم الذين استنبطوا أن هذا المبدأ هو من حوالي السنة "١١٥" أو "١٠٩" قبل الميلاد.

ويلاحظ أن السبئيين لم يهملوا بعد أخذهم بمبدأ التقويم الحميري التوريخ

<<  <  ج: ص:  >  >>