للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالطريقة القديمة المألوفة وأعني بها التأريخ بالأشخاص وبالحوادث الجسام بالنسبة لأيامهم، حتى الملوك أرخوا بعض كتاباتهم على وفق هذه الطريقة، وأرخوا البعض الآخر وفقًا للتقويم الحميري الجديد. مما يدل على أنهم لم يتمكنوا من إهمال الطريقة القديمة لشيوعها بين الناس، ولدينا أسماء عدد من الأسر والأشخاص أرخت بهما الكتابات السبئية المؤرخة، مثل: "آل حزفر" "حزفرم" و"آل يهسحم" "يهسحم" و "سالم بن يهنعم" و"آل خليل" وغيرهم١.آوهي تواريخ محلية، لذلك تنوعت وتعددت, ويؤيد ذلك أنا نجد الملك يؤرخ بجملة أشخاص. ولما كان من الصعب الاستمرار بالتأريخ على وفق هذه الطريقة، إذ الحوادث الجديدة تطمس ذكر الحوادث القديمة، كانت التواريخ تتبدل بهذا التبدل، فينسى الناس القديم ويؤرخون بالجديد، وهكذا، وقد حرمنا هذا التغير الفائدة المرجوة من تأريخ الحوادث.

وقد تبين من الكتابات السبئية أن لقب حكام سبأ، لم يكن لقبًا ثابتًا مسقرًّا بل تبدل مرارًا، وأن كل تبدل هو لتبدل الحكم في سبأ ودخوله في عهد يختلف عنوانه عن العهد القديم، ولذلك صار الحكم أدوارًا، واضطر المؤرخون المحدثون إلى التأريخ بموجبها، فدور أول، وهو أقدم أدوار الحكم لقب حكامه فيه: "مكرب سبأ"، ثم دور تال له صار اللقب فيه: "ملك سبأ"، ثم دور آخر تغير فيه عنوان الملك فصار: "ملك سبأ وذو ريدان" وقد وقع في حوالي السنة "١١٥" أو "١٠٩" قبل الميلاد. جاء بعده دور جديد صار اللقب الرسمي فيه على هذا النحو: "ملك سبأ وذو ريدان وحضوموت واليمن وأعرابها في المرتفعات وفي التهائم"، وهو آخر دور من أدوار الحكم في سبأ وخاتمة الأدوار.

وبفضل الكتابات السبئية حصلنا على شيء من العلم بأصول الحكم في سبأ وبما سأكتبه وبما كتبه غيري عنهم، وبفضل البقية الباقية من آثار خرائب مدنهم وقراهم ومستوطناتهم استطعنا تكوين إلمامة عن فنهم وعن العمران عنهم، وعن نظم الري والزراعة لديهم وغير ذلك مما سأتحدث عنه، ولولا تلك الكتابات ولولا هذه البقية من الآثار لما صار في إمكاننا الكلام عنهم إلا بإيجاز مخل وكلنا أمل


١ Sab. Inschr., S., ٣

<<  <  ج: ص:  >  >>