بالطبع في أن تتبدل الأيام، فتنعم العربية الجنوبية بالاستقرار، وبرجال ذوي عقول مستقلة نيرة، تفهم روح الوقت وتبدل الزمن فتأمر بنبش الأرض لاستنباط ما هو مدفون في باطنها من كنوز روحية ومادية، وعندئذ يستطيع من يأتي بعدنا أن ينال الحظ السعيد بالكتابة عن تلك البلاد كتابة تجعل كتابتنا الحالية شيئًا تافهًا قديمًا باليًا تجاه ما سيعثر عليه من جديد، وأني أرجو له منذ الآن الموافقة والنجاح؛ لأني وإن كنت قد دخلت إذ ذاك في باطن الأرض، فصرت ترابًا ضائعًا بين الأتربة، غير أن لي رجاء وأملًا لا ينقطعان ولا ينتهيان بموت، هو رجاء الكشف عن الماضي الميت وبعثه ونشره وحشره من جديد.
إننا لا زلنا مع ذلك في جهل بنواح عديدة من نواحي الحياة في الممالك العربية الجنوبية التي تكونت في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية. نواح تتعلق بالقوانين وبأصول التشريع، وبالحياة الاجتماعية، وبالحياة الدينية أو الفنية، بل وفي عدد من حكم تلك الممالك وفي ترتيبهم وأعمالهم وما قاموا به، وبصلات أولئك الحكام ببقية جزيرة العرب وبالعالم الخارجي. ودراسة العلماء عن تأريخ العرب الجنوبية الجاهلي وإن تقدمت في خلال السنين المتأخرة، ولكنها لا تزال مع ذلك في بدء مراحلها وهي تجري ببطء وتؤدة.