واقع مشاهد أمام ملأ منهم، ولم ينكروه مع أنهم لا يقرون منكرا، فينزل مثله منزلة المتواتر، لأن سكوتهم كالنطق.
ثم الأظهر أن التكثير إنما وقع في النوع الذي يقتات به غالبا كالذرة والبر، والتمر والكسرة، بخلاف النوى، فإنه لا يقتات به إلا عند الضرورة وقد زالت.
وقال بعضهم: لا مانع من تكثيره لعلف الرواحل، وهو توجيه حسن.
أما كيفية التكثير فيحتمل أنها كانت بإعادة أمثال ما يرفع أو بتضعيف المثال وزيادة الكمية دفعة واحدة، والأول أولى بالقبول حيث لم يتعرض الرواة لعظم الكمية، ولو صح الاحتمال الثاني لقالوا مثلا: فكثر اليسير حتى صار مثل الجبل.
ويشهد لهذا الترجيح قوله في الرواية الثانية "وفضلت فضلة".
وقد جاء في الرواية الأولى أن الرسول صلى الله عليه وسلم هم بنحر بعض حمائلهم، وفي الرواية الثانية أنهم استأذنوه في نحرها فأذن، وجمع بينهما باحتمال أنهم استأذنوه أولا فأذن ثم هم.
ولم يكن همه صلى الله عليه وسلم بوحي، وإلا لما حصل من عمر ما حصل وإنما كان باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، مستندا إلى مراعاة المصالح وتقديم الأهم فالأهم، واحتمال أخف الضررين.
ولم يكن قول عمر اعتراضا منه على تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو عرض لما ظهر له أنه مصلحة، ليرى الإمام فيه رأيه.
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وإجابته إلى ما يلتمس منه أصحابه وإجراؤهم على العادة البشرية.
٢ - جواز المشورة مع الإمام بالمصلحة وإن لم يطلبها، وجواز عرض المفضول على الفاضل ما يراه مصلحة.
٣ - منقبة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه دالة على قوة ثقته بإجابة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
٤ - جواز خلط المسافرين أزوادهم، وأكلهم منها مجتمعين وإن كان بعضهم يأكل أكثر من بعض، وقد نص بعض الفقهاء على أن ذلك سنة.
وقد اعترض على أخذ هذا الحكم من الحديث، بأن الذي حصل جمع خاص للضرورة على أن الأكل لم يكن من الأزودة، بل من الزيادة ولا حق لأحد فيها.
٥ - أن الأزودة والمياه إذا قلت كان للإمام أن يجمع ما بقي منها ويطعمهم منه بالسوية، دون نظر إلى من يملك أكثر أو يأكل أكثر واعترض على هذا المأخذ بنفس الاعتراض السابق.
٦ - حسن آداب خطاب العظماء والسؤال منهم، فيقال: لو فعلت كذا أو أمرت بكذا، أو أذنت بكذا، فهذا أجمل من قولهم للكبير: افعل كذا بصيغة الأمر.