ثانيها: لا يطهر شيء من جلود الميتة بالدباغ. روي هذا عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعائشة رضي الله عنه، وهو أشهر الروايتين عن أحمد وإحدى الروايتين عن مالك، وتمسكوا بحديث عبد الله بن عكيم قال: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مونه "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة، وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي وفي رواية الشافعي "قبل موته بشهر".
وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه معارض للأحاديث الصحيحة له وأنها عن سماع، وهذا كتابة كتاب، وأنها أصح مخارج، بل طعن بعضهم فيه بالاضطراب، وأعله بعضهم بالانقطاع، وعلى فرض صحته وقوته يحمل على الجلد قبل الدبغ، فالإهاب هو الجلد قبل الدبغ على المشهور وأنه بعد الدبغ لا يسمى إهابا.
ثالثها: يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم، ولا يطهر غيره، وهو مذهب الأوزاعي وابن المبارك وأبي ثور وإسحق بن راهويه، واحتجوا بأن الأحاديث وردت في الشاة، بل جزم الرافعي وبعض أهل الأصول بأن اللفظ العام "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" ورد أيضا في شاة مولاة ميمونة، فلهذا السبب يقصر الجواز على المأكول، ويتقوى ذلك بأن الدباغ لا يزيد في التطهير على الذكاة، وغير المأكول لو ذكي لم يطهر بالذكاة عند الأكثر، فكذلك الدباغ، وأجاب الجمهور بالتمسك بلفظ العموم، وأن العدرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبعموم الإذن بالمنفعة، ولأن الحيوان طاهر ينتفع به قبل الموت، فكان الدباغ بعد الموت قائما له مقام الحياة.
رابعها: يطهر بالدباغ جلود جميع الميتات إلا جلد الخنزير، وهو مذهب أبي حنيفة، ولا يختلف عن مذهب الشافعي إلا في جلد الكلب.
خامسها: يطهر بالدباغ جلود جميع الميتات بدون استثناء، إلا أنه يطهر ظاهر الجلد، دون باطنه، ويستعمل في اليابسات دون المائعات، ويصلي عليه لا فيه وهذا مذهب مالك المشهور في حكاية أصحابه عنه. والرواية السابعة والثامنة تعارضه، فإن جلود ما ذكاه المجوس نجسة، وقد نص على طهارتها بالدباغ واستعمالها في الماء والودك.
سادسها: يطهر بالدباغ جلود جميع الميتات بدون استثناء طاهرا وباطنا، وهو مذهب داود وأهل الظاهر وحكي عن أبي يوسف.
سابعها: أنه ينتفع بجلود الميتة وإن لم تدبغ، ويجوز استعمالها في المائعات واليابسات، وهو مذهب الزهري ووجه شاذ لبعض الشافعية، وقد يحتج له بالرواية الثانية والرابعة والخامسة "هلا انتفعتم بجلدها"؟ "ألا أخذتم إهابها فاستمتعتم به"؟ "ألا انتفعتم بإهابها"؟ حيث لم يذكر دباغها.
وأجاب الجمهور بأن هذه الروايات المطلقة، وأخواتها الباقيات مقيدة بالدبغ، وأن الدباغ طهور الجلد، فيحمل المطلق على المقيد.
هذا، ويجوز الدباغ بكل شيء ينشف فضلات الجلد ويطيبه ويمنع من ورود الفساد عليه. ولا يحصل الدبغ بالتشميس عند الشافعية، ويحصل عند الحنفية ويحصل بالأدوية النجسة على الصحيح، ويجب غسله بعد الفراغ من الدباغ بلا خلاف.