(إن شئت لم أحدث به) معناه إن رأيت المصلحة في إمساكي عن التحديث به راجحة على التحديث به وافقتك وأمسكت، فإني قد بلغته، فلم يبق علي فيه حرج، ولم أعد كاتما للعلم، وطاعتك واجبة علي في غير المعصية. ويحتمل أنه أراد إن شئت لم أحدث به تحديثا شائعا، بحيث يشتهر بين الناس بل لا أحدث به إلا نادرا، قاله النووي، لكنه لا تساعده الرواية الآتية "لا أحدث به أحدا".
(قال عمر: نوليك ما توليت) أي لا يلزم من كوني لا أتذكره ألا يكون حقا في نفس الأمر فليس لي منعك من التحديث به.
(أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار) قال النووي: هكذا هو في أصول صحيح مسلم، وقوله "عبد الرحمن" خطأ صريح، وصوابه عبد الله بن يسار.
(حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث بن الصمة) قال النووي: أما "الصمة" فبكسر الصاد وتشديد الميم، وأما أبو الجهم فبفتح الجيم وبعدها هاء ساكنة، هكذا هو في مسلم، وهو غلط، وصوابه ما وقع في صحيح البخاري وغيره "أبو الجهيم" بضم الجيم وفتح الهاء وزيادة ياء.
(من نحو بئر جمل) بفتح الجيم والميم، ورواية النسائي "بئر الجمل" بالألف واللام، وهو موضع بقرب المدينة، أي من جهة الموضع الذي يعرف بذاك.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: اعلم أن التيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو خصيصة خص الله سبحانه وتعالى به هذه الأمة، زادها الله تعالى شرفا، وأجمعت الأمة على أن التيمم لا يكون إلا في الوجه واليدين، سواء كان عن حدث أصغر أو أكبر، وسواء تيمم عن الأعضاء كلها أو بعضها.
ثم قال: واختلف العلماء في كيفية التيمم، فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنه لا بد من ضربتين، ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، وممن قال بذلك من العلماء سفيان الثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحاب الرأي وآخرون -رضي الله عنهم أجمعين-. وذهبت طائفة إلى أن الواجب ضربة واحدة للوجه والكفين، وهو مذهب أحمد وإسحق وابن المنذر وعامة أصحاب الحديث. وحكي عن الزهري أنه يجب مسح اليدين إلى الإبطين. قال الخطابي: لم يختلف أحد من العلماء في أنه لا يلزم مسح ما وراء المرفقين وحكي عن ابن سيرين أنه قال: لا يجزئه أقل من ثلاث ضربات. ضربة للوجه، وضربة ثانية لكفيه، وثالثة لذراعيه.
وأجمع العلماء على جواز التيمم عن الحدث الأصغر، وكذلك أجمع أهل هذه الأعصار ومن قبلهم على جوازه للجنب والحائض والنفساء، ولم يخالف فيه أحد من الخلف ولا من السلف، إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، وقيل إن عمر وعبد الله بن مسعود رجعا عنه، وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة المشهورة.