ليحفظ توازنه، ويعود إليه اطمئنانه لعفو ربه، فقال له- وهو يبتسم ابتسامة الراضي بقضاء الله، المؤمل في فضله وإحسانه:
مهلا يا صنابحي، رفقا بنفسك، لم تبكي ورحمة الله وسعت كل شيء؟ وما علمت عنك إلا إيمانا راسخا، وعملا صالحا، والله لئن طلبت شهادتي لشهدت لك بالخير، ولئن أذن لي بالشفاعة لأحد لشفعت لك، ولئن أوتيت استطاعة نفع لنفعتك.
طب نفسا، وقر عينا يا صنابحي، فسأحدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفتح باب الأمل للمؤمن على مصراعيه، ويملأ قلبه اطمئنانا لفضل الله.
لم أحدث به قبل اليوم خشية اتكال الناس، وتقاصر هممهم عن التنافس في العمل الصالح، أما وقد قربت ساعتي، ودنت منيتي، فإن من الواجب علي أن أؤدي الأمانة، وأبلغ ما تحملت، وما كتمت عنكم حديثا سمعته، لكم فيه خير ومصلحة سوى هذا الحديث، وسأحدثكم به.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وتبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام، وتبرأ من قول النصارى: المسيح ابن الله، فأقر بأن عيسى عبد الله، وأن مريم أمة الله، وتبرأ من اتهام اليهود لمريم وعيسى فشهد بأنه كان بكلمة "كن"، وأنه نفخ فيه الروح بدون أب، وتبرأ ممن ينكرون حساب الآخرة، فأقر بأن الجنة حق ثابت، وأن النار حق كائن.
من شهد بهذا وأقر به حرم الله عليه النار، وأدخله الجنة مهما قصر من عمل، وفتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
-[المباحث العربية]-
(وحده) منصوب على الحال بعد تأويله بمشتق أي متوحدا أو منفردا، وقد وقعت حالا مع كونها معرفة بإضافتها إلى الضمير من قبيل المسموع الذي لا يقاس عليه، وقال بعض النحاة: إن كلمة "وحد" لفظ مبهم لا يكتسب التعريف، وهذا القول ضعيف.
(لا شريك له) حال أخرى، وهي في معنى الحال الأولى، فتكون مؤكدة لها.
(وأن عيسى عبد الله وابن أمته) عطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام لمزيد اعتناء به لما عرض فيها من الجهالات، فتذكر الشهادتين مع تحقق معناهما على ما يجب يتضمن جميع ذلك.
(وكلمته) سمي عيسى كلمة لأنه كان بكلمة "كن" فحسب، من غير أب بخلاف غيره من بني آدم. قال الهروي: سمي كلمة لأنه كان عن الكلمة فسمي بها، كما يقال للمطر رحمة.