للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[المعنى العام]-

شرع الله الصلاة ذات أقوال وأفعال، ليشغل اللسان بذكره، والقلب بالخشوع لسلطانه وجلاله، والجوارح بالاستجابة لأمره، إنها مناجاة المخلوق للخالق، وإنها الإقبال من العبد المطيع الخاضع نحو ربه الغني الكبير المتعال، يأخذ المسلم لها أهبتها من الطهارة الكاملة، طهارة الثوب والبدن والمكان، ومن ستر العورة، واستقبال القبلة، مع حضور وقتها المأمور به، ثم يفتتحها بالتعظيم والتمجيد بلفظ [الله أكبر] رافعا يديه على هيئة المستسلم، واضعا إبهامه بجوار شحمتي أذنيه، وراحتيه حذو منكبيه، مستقبل القبلة بباطن كفيه، ناشرا أصابعه بحيث تحاذي أطرافها أعالي أذنيه، ذاك شعار الخضوع، وطرح الدنيا، والإقبال بجميع أعضائه على ربه، يرفع الشعار عند تكبيرة الإحرام، وعند الهوي إلى الركوع وعند الرفع منه، وعليه أن يلتزم هيئات أخرى غير هذه الهيئة في وقوفه لقراءة الفاتحة، وفي جلسته للتشهد، وفي الركوع والسجود.

هيئات منسجمة مع حركاتها، ولها دلالتها الظاهرة على أن صاحبها في عبادة ومناجاة، ولها حكمتها الباطنة التي إن وصلنا إليها آمنا واستسلمنا بعقولنا وجوارحنا، وإن عجزنا عن إدراكها استجبنا وقلنا ما يقوله الراسخون في العلم: {آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب* ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} [آل عمران: ٧ - ٨].

-[المباحث العربية]-

(حتى تكونا حذو منكبيه) "حذو" بفتح الحاء وسكون الذال، أي مقابل وإزاء، و"منكبيه" تثنية "منكب" بفتح الميم وكسر الكاف بينهما نون ساكنة، وهو مجمع عظم العضد والكتف.

(إذا قام للصلاة) أي شرع فيها، وباشر افتتاحها، وسيأتي أيهما يسبق: تكبيرة الإحرام أو رفع اليدين، وكذا المراد من قوله في الرواية الثالثة "إذا صلى" أي إذا شرع.

(فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك) ليس رفع اليدين مرتبطا بالإرادة وحدها، بل حين مباشرة الركوع، وهذا هو المراد من قوله في الرواية الأولى "وقبل أن يركع" وقوله في الرواية الرابعة "وإذا ركع رفع يديه".

(وإذا رفع من الركوع) تجمع الروايات في مسلم على أن رفع اليدين إنما يكون بعد الرفع فعلا من الركوع، وليس عند الشروع في الرفع، كما هو الحال عند الشروع في الركوع، وهو المراد من رواية أبي داود: "ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه".

(ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود) وفي الرواية الأولى "ولا يرفعهما بين السجدتين". ورواه البخاري: "ولا يفعل ذلك في السجود" والمقصود إنه لا يرفع يديه في الهوى إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>