القصة. مرة على بعير ومرة على حمار، وهذا بعيد، والأحرى بالقبول قول النووي: يحتمل أن يكونا قضية واحدة، وأراد بالحديث الأول قدر مؤخرة الرحل.
و"عفير" بالتصغير هو الحمار الذي كان له صلى الله عليه وسلم. قيل إنه مات في حجة الوداع.
(يا معاذ بن جبل) يجوز في "معاذ" النصب والبناء على الضم، أما النصب فعلى أنه مع ما بعده كاسم واحد مركب، والمنادى المضاف منصوب، والضم على أنه منادى مفرد علم، وأما لفظ "ابن" هنا فمنصوب قولا واحدا، واختار ابن الحاجب النصب في "معاذ" وبه ضبط في الأصل، وقال ابن مالك: الاختيار فيه الضم، لأنه لا يحتاج إلى اعتذار، وتكرير نداء معاذ للتأكيد وتكميل انتباهه اهتماما بالخبر.
(لبيك رسول الله وسعديك) "رسول الله" منادى بتقدير حرف النداء وفي معنى "لبيك" أقوال كثيرة، أظهرها أن معناه إجابة لك بعد إجابة، والتكرير للتأكيد، وقيل: معناه قربا منك وطاعة لك، تثنية "لب" ومعناه الإجابة، وقال الخليل: لب بالمكان أقام به، وعليه فلبيك معناه أنا مقيم على طاعتك، وكان حقه أن يقال: لبا لك، فثني للتأكيد فصار: لبين لك فأضيف فحذفت النون، كما قالوا في حنانيك، أي رحمة بعد رحمة، وهو من المصادر المنصوبة بفعلها المحذوف وجوبا.
و"سعديك" تثنية سعد، والمعنى سعادة بحديثك بعد سعادة.
(ثم سار ساعة) أي قدرا من الزمن، وليس المراد الساعة المعروفة المقدرة بستين دقيقة.
(هل تدري ما حق الله على العباد؟ ) الاستفهام حقيقي، و"تدري" معلق عن العمل و"حق الله على العباد" معناه ما يستحقه عليهم استحقاقا متحتما.
(الله ورسوله أعلم) أفعل التفضيل على بابه، فمعاذ يعلم دون شك أن العبادة واجبة لله تعالى، ولكنه فوض العلم، وأسند الزيادة فيه لله ورسوله تأدبا، ومقصود هذه العبارة علمني يا رسول الله.
(أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) وفي الرواية الثانية "أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا" وفي رواية "أن يعبد الله ولا يشرك به شيء" وفي رواية "أن يعبد الله ولا يشرك به شيئا" بنصب "شيئا". قال ابن الصلاح وهو صحيح على التردد بين وجوه ثلاثة.
أحدها: "يعبد الله" بفتح الياء التي هي للمذكر الغائب أي يعبد العبد الله ولا يشرك به شيئا.
الثاني: "تعبد" بفتح تاء المخاطب على التخصيص لمعاذ والتنبيه على غيره.
والثالث: "يعبد" بضم أوله، ويكون "شيئا" كناية عن المصدر، لا عن المفعول به، أي لا يشرك به إشراكا، ويكون الجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل. قال: وإذا لم تعين الرواية شيئا من هذه الوجوه، فحق على من يروي هذا الحديث منا أن ينطق بها كلها، واحدا بعد واحد، ليكون آتيا بما هو المقول منها في نفس الأمر جزما. اهـ.