(ز) وأما قولهم: أجمع أهل العدد على أنه لا تعد آية فجوابه من وجهين أحدهما: أن أهل العدد ليسوا كل الأمة، فيكون إجماعهم حجة، بل هم طائفة من الناس عدوا كذلك، إما لأن مذهبهم نفى البسملة وإما لاعتقادهم أنها بعض آية، وأنها مع أول السورة آية، الثاني: أنه معارض بما ورد عن ابن عباس وغيره "من تركها فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية".
(ح) وأما نقل أهل المدينة وإجماعهم فإننا لا نسلم هذا الإجماع، بل لقد اختلف أهل المدينة في ذلك، وإنكار المهاجرين والأنصار على معاوية حين تركها يبطل القول بإجماع أهل المدينة، على أن أهل مكة لم يختلفوا أن {بسم الله الرحمن الرحيم} أول آية من الفاتحة، فلو ثبت إجماع أهل المدينة لم يكن حجة مع وجود الخلاف لغيرهم.
ومن هنا قال الغزالي في آخر كلامه: الغرض بيان أن المسألة ليست قطعية بل ظنية، وأن الأدلة وإن كانت متعارضة فجواب الشافعي فيها أرجح وأغلب. اهـ.
وقال الأبي: الأولى ترك الكلام في المسألة، لأنه -كما قيل- إن كان الحق الثبوت فالنافي أسقط آية، وإن كان الحق النفي فالمثبت زاد آية، والزيادة والنقص في كتاب الله تعالى كفر، قال القاضي: والخطأ في المسألة وإن لم يبلغ التكفير لكثرة القائل بكل قول فلا أقل من التفسيق. اهـ وقال ابن الحاجب: وقوة الشبهة من الجانبين منعت من التكفير. اهـ ورأى الفخر الرازي أن المخلص من ذلك جعل المسألة اجتهادية. للمخطئ فيها أجر وللمصيب أجران. اهـ. والله أعلم.
بقى الكلام على الجهر بها في الصلاة، قال النووي في المجموع: واعلم أن مسألة الجهر ليست مبنية على مسألة إثبات البسملة، لأن جماعة ممن يرى الإسرار بها لا يعتقدونها قرآنا، بل يرونها من سننه، كالتعوذ والتأمين، وجماعة ممن يرى الإسرار يعتقدونها قرآنا، وإنما أسروا بها وجهر غيرهم لما ترحج عند كل فريق من الأخبار والآثار. اهـ والتحقيق أن الجهر بها مبني على إثبات أنها قرآن، لا كما ذكر الإمام النووي، وإنما الإسرار بها غير مبني على أنها ليست بقرآن، فإن بعض من يسر بها يعتقدونها قرآنا.
ومذهب الشافعية استحباب الجهر بها حيث يجهر بالقراءة في الفاتحة والسورة جميعا، فلها في الجهر حكم باقي الفاتحة والسورة، قال النووي: وهذا قول أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء والقراء، ثم أخذ يسرد من القائلين به من كل فريق. إلى أن قال: وهو قول سائر أهل مكة، وهو أحد قولي ابن وهب صاحب مالك، وحكي عن ابن المبارك وأبي ثور، ثم قال: وفي الخلافيات للبيهقي عن جعفر بن محمد قال: أجمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وقال أبو محمد: واعلم أن أئمة القراء السبعة منهم من يرى البسملة بلا خلاف عنه، ومنهم من روي عنه الأمران، وليس فيهم من لم يبسمل بلا خلاف عنه، فقد بحثت عن ذلك أشد البحث، فوجدته كما ذكرته، ثم كل من رويت عنه البسملة ذكرت بلفظ الجهر بها إلا روايات شاذة جاءت عن حمزة. اهـ.