كما جعل لإبراهيم، وذلك بالإضافة إلى ما حصل لمحمد صلى الله عليه وسلم من المحبة. وقربه بعضهم بأنه مثل رجلين يملك أحدهما ألفا، ويملك الآخر ألفين، فسأل صاحب الألفين أن يعطي ألفا أخرى نظير الذي أعطيها الأول، فيصير المجموع للثاني أضعاف ما للأول.
الخامس: أن قوله "اللهم صل على محمد" مقطوع عن التشبيه، فيكون التشبيه متعلقا بقوله "وعلى آل محمد" واستبعده ابن القيم.
السادس: أن التشبيه إنما هو المجموع بالمجموع، فإن في الأنبياء من آل إبراهيم كثرة، فإذا قوبلت تلك الذوات الكثيرة من إبراهيم وآل إبراهيم بالصفات الكثيرة التي لمحمد أمكن انتفاء التفاضل. قال الحافظ ابن حجر: ويعكر على هذا الجواب أنه وقع في بعض روايات البخاري مقابلة الاسم فقط، ولفظه:"اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم".
السابع: رد قاعدة أن المشبه به يكون أرفع من المشبه، بأن ذلك ليس مطردا، بل قد يكون التشبيه بالمثل، بل وبالدون، كما في قوله تعالى:{مثل نوره كمشكاة}[النور: ٣٥].
قال ابن القيم -بعد أن زيف أكثر الأجوبة إلا تشبيه المجموع بالمجموع- وأحسن منه أن يقال هو صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى:{إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}[آل عمران: ٣٣] قال محمد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا أن نصلي على محمد وعلى آل محمد خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عموما، فيحصل لآله ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له، وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعا، ويظهر حينئذ فائدة التشبيه وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ. انتهى من فتح الباري مع بعض التصرف.
(وبارك على محمد) المراد من البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل: المراد التطهير من العيوب والتزكية. وقيل: المراد إثبات ذلك وتثبيته واستمراره من قولهم: بركت الإبل، أي ثبتت على الأرض، وبه سميت بركة الماء -بكسر الباء وسكون الراء- لإقامة الماء فيها. والحاصل أن المطلوب أن يعطي من الخبر أوفاه، وأن يثبت ذلك ويستمر دائما.
(في العالمين) قيل: هم أصناف الخلق، وقيل: ما حواه بطن الفلك، وقيل كل محدث، وقيل: ما فيه روح، وقيل: العقلاء مما فيه روح، وقيل الإنس والجن فقط.
(إنك حميد مجيد)"حميد" فعيل من الحمد، بمعنى محمود، وأبلغ منه، وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها، وقيل: هو بمعنى الحامد، أي يحمد أفعال عباده، وأما "مجيد" فهو من المجد، وهو صفة من كمل في الشرف، وهو مستلزم للعظمة والجلال، كما أن الحمد يدل على صفة الإكرام، ومناسبة ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العظيمين أن المطلوب تكريم الله لنبيه، وثناؤه عليه، والتنويه به وزيادة تقريبه، وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد، ففي ذلك إشارة إلى أنهما كالتعليل للمطلوب، أو هو كالتذييل له، والمعنى أنك فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المترادفة، كريم بكثرة الإحسان إلى جميع عبادك. ذكره الحافظ ابن حجر.