واستدل بالحديث برواياته الثلاث الأوليات على فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، من جهة ورود الأمر بها، واعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها، وقد ورد فضلها صريحا في الرواية الرابعة، ولفظها "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا" قال القاضي عياض: أي رحمه، وضعف أجره، من باب قوله تعالى {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}[الأنعام: ١٦٠] الآية ويحتمل أن الله يصلي عليه حقيقة بكلام تسمعه الملائكة عليهم السلام كما جاء في الحديث القدسي "وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم". اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وقد ورد التصريح بفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث قوية، منها ما أخرجه مسلم "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا" وله شاهد عند أحمد والنسائي، وعند النسائي عن بردة "من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات"، وعند الترمذي:"إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" وعند البيهقي "صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة: فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة". وعند الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم، "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" وعند ابن ماجه والبيهقي "من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة" وعند الترمذي "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي" وعند الحاكم "بعد من ذكرت عنده فلم يصل علي" وعند الطبراني "شقي عبد ذكرت عنده فلم يصل علي" وعند عبد الرزاق "من الجفاء أن أذكر عند رجل فلا يصلي".
ثم قال الحافظ ابن حجر: فهذا الجيد من الأحاديث الواردة في ذلك، وفي الباب أحاديث ضعيفة وواهية، وأما ما وضعه القصاص في ذلك فلا يحصى كثرة، وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك، ثم قال: وقد تمسك بالأحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما ذكره، لأن الدعاء بالرغم والإبعاد والشقاء، والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد، والوعيد على الترك من علامات الوجوب، من حيث المعنى: وإن فائدة الأمر بالصلاة عليه مكافأته على إحسانه، وإحسانه مستمر، فيتأكد إذا ذكر، وأجاب من لم يوجب ذلك بأجوبة: منها أن الوجوب قول مخترع، لم يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين، ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا أذن، والسامع والقارئ إذا مر بذكره، ولكان الثناء على الله كلما ذكر أحق بالوجوب، ولم يحفظ عن أحد من الصحابة أنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليك، وأجابوا عن الأحاديث المذكورة بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك، وطلبه، وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا، وفي الجملة لا دلالة على وجوب تكرر ذلك بتكرر ذكره صلى الله عليه وسلم.
قال الأبي: ومقتضى الوعد بمضاعفة الأجر عشرا. أنه يحصل بأي لفظ كانت الصلاة، وإن كان الراجح ما تقدم من الصفة الواردة سابقا، وما يستعمل من لفظ السيد والمولى حسن، وإن لم يرد [فيقال مثلا: اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم] والمستند فيه ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم "أنا سيد ولد آدم" ثم قال: وانظر لو قال: اللهم صل على محمد عدد كذا. هل يثاب بعدد ما ذكر؟ أو يثاب ثواب من صلى أكثر من واحدة؟ واستشهد الأبي لفضيلة هذه الصيغة بحديث "من قال