وصريح الروايات الأمر بمتابعة الإمام في جلوسه ووقوفه، فإن صلى جالسا جلس المأموم، وإن صلى واقفا وقف المأموم، وبهذا الظاهر قال أحمد بن حنبل والأوزاعي وطائفة.
وقال مالك في المشهور عنه: لا يجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد مطلقا، لا قائما، ولا قاعدا وسنعرض قريبا لدليله ومناقشته.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي ومالك في رواية عنه وجمهور السلف: لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد إلا قائما، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرض وفاته بعد هذا قاعدا وأبو بكر والناس خلفه قياما، كما ذكره مسلم في الباب التالي ولم يأمرهم بالجلوس، فصلاة الإمام قاعدا بالناس قعودا نسخت بصلاته صلى الله عليه وسلم قاعدا وهم قيام، وهو الأحدث من فعله صلى الله عليه وسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الإمام ليؤتم به" ليس على عمومه، بل دخله التخصيص.
ويزيد مالك في المشهور عنه على ما ذهب إليه الجمهور أن صلاة القائم خلف القاعد نسخت كذلك بقوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحد بعدي جالسا" فهذا الحديث ينسخ أمره في روايات الباب بالجلوس لما صلوا خلفه قياما، وينسخ صلاتهم خلفه قياما في مرض موته، فيثبت عدم جواز صلاة القادر خلف القاعد. ويحتج بعض المالكية لهذا المذهب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى بهم قاعدا لأنه لا يصح التقدم بين يديه، لنهي الله عن ذلك، فلا يصح أن يكون إماما له، مهما قعد صلى الله عليه وسلم. قال بعض أشياخهم: إن حال النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به، وعدم العوض عنه يقتضي الصلاة معه على أي حال كان عليها، وليس ذلك لغيره، وأيضا فنقص صلاة القاعد عن القائم لا يتصور في حقه، ويتصور في حق غيره، فالصلاة خلف القاعد كانت من خصوصياته صلى الله عليه وسلم.
ورد الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحد بعدي جالسا" بأنه لا حجة فيه، لأنه مرسل، ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه وهو جابر الجعفي. وقال ابن بزيزة: وعلى فرض صحته لم يكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون المراد منع الصلاة بالجالس، فيعرب "جالسا" مفعولا لا حالا. اهـ.
ثم إن القول بأن هذا الحديث ينسخ عمله صلى الله عليه وسلم في مرض موته بعيد، لأنه يحتاج إثبات أن تاريخه متأخر عن صلاة مرض الموت ودونه خرط القتاد. فإن قيل: إن مواظبة الخلفاء الراشدين على عدم صلاة الإمام قاعدا تشهد له، قلنا: إن عدم النقل لا يدل على عدم الوقوع ولو سلم لا يستدل به على عدم الجواز، لاحتمال أن يكونوا اكتفوا باستخلاف القادر على القيام للاتفاق، على أن صلاة القاعد بالقائم مرجوحة بالنسبة إلى صلاة القائم بمثله وهذا كاف في بيان تركهم الإمامة من قعود.
وأما قول بعضهم: لا يصح أن يكون أحد إماما له صلى الله عليه وسلم فهو مردود بما ثبت في الصحيح عند مسلم، وسيأتي بعد باب، أنه صلى الله عليه وسلم صلى خلف عبد الرحمن بن عوف، مما يدل على أن المراد بمنع التقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم إنما هو في غير الإمامة.
وأما نقص صلاة القاعد عن القائم فهو في حق القادر في النافلة وأما المعذور في الفريضة فلا