ليس شيء منها شرطا في صحة القدوة إلا تكبيرة الإحرام، واختلف في السلام والمشهور عند المالكية اشتراطه مع الإحرام والقيام من التشهد الأول، قال النووي: وأنه يفعلها بعد الإمام، فيكبر تكبيرة الإحرام بعد فراغ الإمام منها، فإن شرع فيها قبل فراغ الإمام منها لم ننعقد صلاته، ويركع بعد شروع الإمام في الركوع وقبل رفعه منه، فإن قارنه أو سبقه، فقد أساء، ولكن لا تبطل صلاته، وكذا السجود، ويسلم بعد فراغ الإمام من السلام، فإن سلم قبله بطلت صلاته إلا أن ينوي المفارقة، ففيه خلاف مشهور، وإن سلم معه لا قبله ولا بعده فقد أساء، ولا تبطل صلاته على الصحيح. وقيل: تبطل. اهـ.
وهذا ظاهر في قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما جعل الإمام ليؤتم به"، وقوله:"فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا" وخالف الحنفية، فقالوا: تكفي المقارنة لأن معنى الائتمام الامتثال، ومن فعل مثل فعل إمامه عد ممتثلا.
٢ - استدل المالكية والحنفية بقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما جعل الإمام ليؤتم به" على عدم صلاة الفرض خلف النفل وعكسه، والظهر خلف العصر وعكسه، والظهر خلف العصر وعكسه، قالوا: لأن معنى الحديث ليؤتم به في الأفعال والنيات، كما استدلوا بقوله في الرواية الثامنة "فلا تختلفوا عليه" وقالوا: مقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال، ولا اختلاف أشد من الاختلاف في النيات في صلاة فرضين أو نفل وفرض.
وأجاب الشافعية -وهم يجيزون ذلك- بأن معنى الحديث: ليؤتم به في الأفعال الظاهرة، إذ هي التي نبه عليها في الحديث، فذكر الركوع وغيره، بخلاف النية، فإنها لم تذكر، وقد خرجت من قوله صلى الله عليه وسلم:"فلا تختلفوا عليه" بدليل آخر، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه، ببطن نخل صلاة الخوف مرتين، بكل فرقة مرة، فصلاته الثانية وقعت له نفلا، وللمقتدين فرضا وأيضا حديث معاذ "كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصليها بهم، هي له تطوع، ولهم فريضة"، بل يمكن أن يستدل من أحاديث الباب على عدم دخولها. لأنها تقتضي الحصر في الاقتداء به في أفعاله [القيام، والقعود والركوع والسجود، والرفع، والتكبير والتسبيح والتأمين] لا في جميع أحواله. والله أعلم.
٣ - استدل بعض المالكية بقوله في الرواية السابعة:"وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أبو بكر" على جواز الصلاة بالسمع، فالمقتدي به مقتد بالإمام، وقيل عند المالكية أيضا: إن أذن له الإمام صحت لأن مع الإذن يصير المقتدي به كالمقتدي بالإمام. وقيل: إنما يجوز في مثل الأعياد والجنائز والصلوات المجتمع لها من غير الفرض. وقيل: يجوز: في الجمعات، لضرورة كثرة الناس والجمهور على عدم صحة الاقتداء بمقتد والمقتدي به مقتدي بغير إمام.
٤ - استدل بقوله:"فحضرت الصلاة" على جواز صلاة الفرض جماعة في المنزل، وهو مذهب الجمهور؛ وأجاب المخالف بأن من في المسجد صلى بصلاته صلى الله عليه وسلم، لأن منزله في المسجد، إذا لم يثبت أنه استخلف. قال الحافظ ابن حجر: وهذا محتمل، ويحتمل أيضا أن يكون استخلف وإن لم ينقل. اهـ.