(فلا تفعل) الفاء فصيحة في جواب شرط مقدر، أي إذا كان قد حصل هذا القول فلا تتبعه بالفعل.
(فخلهم يعملون) جملة "يعملون" في محل النصب على الحال.
-[فقه الحديث]-
قال بعض الفضلاء: إن خشية الصحابة على الرسول صلى الله عليه وسلم لا تتفق مع قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس}[المائدة: ٦٧] وأجاب باحتمال أن الخشية والفزع كانا قبل نزول الآية، وعلى فرض أنهما كانا بعد نزولها فذلك لفرط كلفهم به، كما يقال: المحب مولع بسوء الظن.
والمحقق في هذه المسألة يرى أن عصمة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من الناس لا تتنافى مع الحيطة والمحافظة عليه وحمايته المنبعثة عن الخشية والفزع، فالعاقبة المعلومة لا تمنع من الأخذ بالأسباب، بل قد تكون النتيجة متوقفة على المقدمات حسب العادة، والظاهر الذي أمرنا بالعمل به، وعلى هذا كان الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية، فالعشرة المبشرون بالجنة لم يتوقفوا عن الأخذ بأسباب دخولها، بل بالغوا في المحافظة عليها وتحصيلها.
على أن المفسرين ذهبوا إلى أن المقصود بالعصمة من الناس الوعد بحمايته صلى الله عليه وسلم من القتل، وهذا لا يمنع من لحوق إيذاء الناس له صلى الله عليه وسلم، فما أصابه صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، وما أصابه صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة هو إيذاء من الناس لا يدخل في العصمة الموعود بها.
وعليه فإيمان الصحابة بعصمته صلى الله عليه وسلم من القتل لا يتنافى مع خوفهم عليه وفزعهم من أن يناله أذى أو مكروه.
أما سبب انصرافه صلى الله عليه وسلم من بين أظهر الصحابة إلى هذا البستان فلم أر نصا فيه، ولعله كان لتبليغ الجن وقراءته عليهم بعض ما نزل فقد تعدد اجتماعه بهم صلى الله عليه وسلم. أما دخول أبي هريرة بستان الأنصار بهذه الطريقة، فقد أثار بحثا فقهيا، وهو: هل يجوز دخول ملك الغير بدون إذنه؟ .
فقال بعضهم: نعم يجوز دخول الإنسان ملك غيره بغير إذنه إذا علم أنه يرضى ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر أبا هريرة على ذلك ولم ينقل أنه أنكر عليه، بل زاد أصحاب هذا الرأي فقالوا: وإن ذلك لا يختص بدخول الأرض، بل يجوز له الانتفاع بأدواته، وأكل طعامه والحمل من طعامه إلى بيته: وركوب دابته، ونحو ذلك من التصرف الذي يعلم أنه لا يشق على صاحبه.
قال النووي: هذا هو المذهب الصحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف من العلماء.
ثم قال: واتفقوا على أنه إذا تشكك لا يجوز التصرف مطلقا فيما تشكك في رضاه به.