أجتاز الوادي الذي بيني وبينه إذا جاء المطر وسال الوادي، ولم يكن مفر من أن أصلي في بيتي بعض الأوقات، فأردت أن أعوض ما يفوتني من الصلاة في المسجد بالصلاة في مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وباركه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله: قد أنكرت بصري، إذ أصابني فيه ضعف شديد، وأنا إمام قومي، فإذا كانت الأمطار وسال الوادي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله أنك تأتيني، فتخط لي مكانا في بيتي فتصلي فيه، فأتخذه مصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأفعل إن شاء الله.
ولشدة لهفة عتبان ترقب قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس اليوم، فلما لم يأت أصبح فأعد طعاما له صلى الله عليه وسلم ولمن عساه أن يأتي معه، وبعث إليه رسولا يقول له: يا رسول الله إن عتبان يحب أن تأتيه فتصلي في منزله فيتخذه مصلى.
فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، وانضم إليهما في الطريق عمر، فلما وصلوا المنزل استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن عتبان بالدخول فدخلوا فلم يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل البيت، ولكنه قال: أين تحب أن أصلي من بيتك؟ فقال عتبان: هنا، وأشار إلى ناحية منه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام من حضر من الصحابة فصفوا، فكبر فصلى بهم ركعتين، ثم جلسوا يتحدثون وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فتناولوا بحديثهم مالك بن دخشم وهو من قوم عتبان. قال قائل منهم: أين مالك بن الدخشم؟ لماذا لم يحضر الصلاة هنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال الآخر: إنه منافق لا يحب الله ورسوله، وقال آخر، إنه يجالس المنافقين ويصغي إليهم، وقال الرابع: ليت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو عليه فيهلك، وقال الخامس: ليته يصاب بمكروه يحول بينه وبين المنافقين.
كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، فلما قضى الصلاة قال: لا تقولوا هذا القول في شأن مالك بن الدخشم. أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: إنه يشهد بلسانه دون قلبه، فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين. قال: ألا ترونه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال صلى الله عليه وسلم: لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه النار.
وحدث محمود بن الربيع أنس بن مالك بهذا الحديث فسر به واستبشر، وقال لابنه: اكتبه، فكتبه، فأخذ أنس يحدث به.
رضي الله عنهم ومن اهتدى بهم إلى يوم الدين.
-[المباحث العربية]-
(عن أنس بن مالك قال: حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال: قدمت