للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعالى أخبر أن من الجن والأنس رسلاً أرسلوا إليهم: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} [الأنعام: ١٣٠].

فلو جاز أن المراد برسل الجن رسل الإنس لجاز عكسه، وهو فاسد. اهـ وأجاب الجمهور بأن معنى الآية أن رسل الإنس رسل من قبل الله إليهم، ورسل الجن بثهم الله في الأرض، فسمعوا كلام الرسل من الإنس، وبلغوا أممهم، ولهذا قال قائلهم: {إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى} [الأحقاف: ٣٠] واحتج ابن حزم بأنه صلى الله عليه وسلم قال: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة" قال: وليس الجن من قوم الإنس، فثبت أنه كان فيهم أنبياء إليهم. قال: ولم يبعث إلى الجن من الإنس نبي إلا نبينا صلى الله عليه وسلم لعموم بعثه للجن والإنس باتفاق. اهـ

وقال ابن عبد البر: لا يختلفون أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن، وهذا مما فضل به محمد على الأنبياء. اهـ

وقال ابن تيمية: اتفق على ذلك علماء السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين.

قال ابن حجر: وثبت التصريح بذلك في حديث "وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الإنس والجن".

وإذا تقرر أنهم مكلفون فهم مكلفون بالتوحيد وأركان الإسلام، وأما ما عداه من الفروع فاختلف فيه، لما ثبت من النهي عن الروث والعظم، وأنها زاد الجن، مما يدل على جواز تناولهم الروث، وذلك حرام على الإنس. اهـ

ولم يختلف من أثبت تكليفهم أنهم يعاقبون على المعاصي، واختلف هل يثابون؟

فروى الطبري وابن أبي حاتم موقوفاً "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار قال الله لمؤمني الجن وسائر الأمم [أي من غير الإنس] كونوا تراباً فحينئذ يقول الكافر: {يا ليتني كنت تراباً} [النبأ: ٤٠] وروى ابن أبي الدنيا عن ليث بن أبي سليم قال: ثواب الجن أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم كونوا تراباً. وروي عن أبي حنيفة هذا القول، ويؤيد هذا الرأي قوله تعالى: {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} [الأحقاف: ٣١] حيث جعل نتيجة الإيمان الإجارة من النار، ويرده أن مثل ذلك وارد في الإنس أيضاً، وعدم ذكر الجنة ليس دليلاً على عدم استحقاقها.

وذهب الجمهور إلى أنهم يثابون على الطاعة، وهو قول الأئمة الثلاثة والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وغيرهم، واختلفوا هل يدخلون الجنة مدخل الإنس على أربعة أقوال:

(١) [نعم]، وهو قول الأكثر.

(٢) يكونون في ربض الجنة، وهو منقول عن مالك وطائفة.

(٣) أنهم أصحاب الأعراف.

(٤) التوقف.

<<  <  ج: ص:  >  >>