وفي قوله تعالى:{ولكل درجات مما عملوا}[الأنعام: ١٣٢، الأحقاف: ١٩]. {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس}[الأحقاف: ١٨] بعدها {ولكل درجات مما عملوا}{ولمن خاف مقام ربه جنتان}[الرحمن: ٤٦] والخطاب للإنس والجن، بدليل قوله تعالى:{فبأي آلاء ربكما تكذبان}
في ذلك كله دليل كاف على أنهم يدخلون الجنة.
٣ - وأما عن استراقهم السمع فقد قال النووي: ظاهر قوله "وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب" أن هذا حدث بعد نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قبلها، ولهذا أنكرته الشياطين وارتاعت له، وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره، ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب حتى قطع بين الشياطين وبين صعود السماء واستراق السمع. اهـ وذكر ابن إسحق أن العرب أنكرت وقوع الشهب. وأشدهم إنكاراً ثقيف، وأنهم جاءوا إلى رئيسهم عمرو بن أمية بعد ما عمي، فسألوه، فقال انظروا، إن كانت هي التي يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فهو خراب الدنيا وزوالها، وإن كان غيرها فهو لأمر حدث.
وذهب جماعة من العلماء وابن عباس والزهري إلى أن الشهب مازالت منذ كانت الدنيا، يؤيده ما في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم:"ورمي بنجم ما كنتم تقولون إن كان مثل هذا في الجاهلية؟ قالوا: يموت عظيم أو يولد عظيم" الحديث.
وذكر بعضهم أن السماء كانت محروسة قبل النبوة، ولكن إنما كانت تقع الشهب عند حدوث أمر عظيم من عذاب ينزل، أو إرسال رسول إليهم، وعليه فسروا قوله تعالى:{وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً}[الجن: ١٠].
وقيل: كانت الشهب مرئية معلومة، لكن رجم الشياطين وإحراقهم لم يكن إلا بعد نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس: كانت الشياطين لا تحجب عن السموات، فلما ولد عيسى عليه السلام منعت من ثلاث سموات، فلما ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منعت منها كلها.
وقال ابن الجوزي: الذي أميل إليه أن الشهب لم ترم إلا قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استمر ذلك وكثر حين بعث، وعن الزهري: كانت الشهب قليلة فغلظ أمرها وكثرت حين البعثة.
قال العيني: فإن قيل: كيف تتعرض الجن لإتلاف نفسها بسبب سماع خبر بعد أن صار الرمي بالشهب معلوماً لهم؟ أجيب بأنه قد ينسيهم الله تعالى ذلك لينفذ فيهم قضاؤه، على أن السهيلي وغيره زعموا أن الشهاب تارة يصيبهم فيحرقهم، وتارة لا يصيبهم، فإن صح هذا كان تعرضهم لعدم تيقنهم الهلاك وعدم جزمهم به.