وفي الرواية التاسعة: "كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح".
وعن علي رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت: وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي، وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد لك وجهي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين".
وعند أبي داود: كان يقول في ركوعه: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة".
٣ - والروايتان الأولى والثانية تتحدثان عن الرؤيا الصالحة وأنها من مبشرات النبوة فتقولان "إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا" وفي معناهما يقول ابن التين: إن الوحي ينقطع بموته صلى الله عليه وسلم، ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا اهـ
والتعبير بلفظ "مبشرات" خرج مخرج الغالب، فإن الرؤيا قد تكون منذرة وهي صادقة يريها الله المؤمن رفقا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه.
كذلك التعبير بلفظ "يراها العبد الصالح" خرج مخرج الغالب والكثير، وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منه، بخلاف غير الصالح فإن الصدق في رؤياه نادر وقليل، لغلبة تسلط الشيطان عليه. قال المهلب: فالناس على هذا ثلاث درجات: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى التعبير، والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير. ومن عداهم قد يقع في رؤياهم الصدق، وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار، كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام ورؤيا ملكهما. اهـ
هذا ما يقوله الدين، ويصدقه الواقع، ولعلماء النفس كلام غير هذا فيه بعد ونظر، وسنتعرض له إن شاء الله عند الكلام على كتاب الرؤيا. فذكرها هنا عرض وفيما ذكرناه كفاية. والله أعلم.
٤ - ويؤخذ من هذه الأحاديث فوق ما تقدم:
١ - يؤخذ من قوله في الرؤية الأولى من الباب الأول "وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم" الحث على الدعاء في السجود، بل يؤخذ من قوله: "فاجتهدوا في الدعاء" استحباب الإكثار من الدعاء في السجود، وقد جاء هذا صريحا في الرواية الأولى من الباب الثاني، ولفظها "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء".
قال الحافظ ابن حجر: والأمر بإكثار الدعاء في السجود يشمل الحث على تكثير الطلب لكل حاجة كما في حديث أنس "ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى شسع نعله" أي: زمام نعله ورباطه، أخرجه الترمذي، ويشمل التكرار للسؤال الواحد. اهـ
٢ - يؤخذ من الرواية الثانية في الباب الثاني. من قوله: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره" توكيد الدعاء، وتكثير ألفاظه، وإن أغنى بعضها عن بعض.