(فكانوا يرتجزون) أي يتعاطون نوعًا من ضروب الشعر، وأكثر العروضيين وأهل الأدب على أن الرجز لا يكون شعرًا. قال ابن التين: لا يطلق على الرجز شعر، إنما هو كلام مرجز مسجع، بدليل أنه يقال لصانعه راجز، ولا يقال أنشد شعرًا والتحقيق أنه من الشعر.
(فاغفر للأنصار والمهاجرة) في رواية المستعلي والحموي "فاغفر الأنصار" بحذف اللام، قال الحافظ ابن حجر: ووجهه أن يضمن "اغفر" معنى "استر" وقد رواه أبو داود "فانصر الأنصار" وقال الكرماني: واعلم أنه لو قرئ هذا البيت بوزن الشعر ينبغي أن يوقف على الآخرة والمهاجرة بالهاء، إلا أنه قيل: إنه صلى اللَّه عليه وسلم قرأهما بالتاء متحركة خروجًا عن وزن الشعر.
-[فقه الحديث]-
ذكر الحديث في مسلم بدون ترجمة تابعًا لباب: الأرض كلها مسجد، ومقصوده الصلاة في مرابض الغنم، وصدر الحديث يناسب كتاب الهجرة وسنتعرض في شرح الحديث إلى النقاط التالية:
١ - الجمع بين رواية هبة أرض المسجد الواردة هنا وبين روايات شراء الرسول صلى الله عليه وسلم للأرض.
٢ - حكم نبش القبور وبناء مساجد مكانها.
٣ - الصلاة في مرابض الغنم.
٤ - ما يؤخذ من الحديث. وهذا هو التفصيل:
١ - ظاهر الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ أرض المسجد تبرعًا من بني النجار، محتسبين أجرها عند اللَّه تعالى، وهذا هو المشهور المروي في الصحيحين، وذكر محمد بن سعد في الطبقات عن الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه منهم بعشرة دنانير دفعها أبو بكر الصديق، ويقال: كان ذلك مربد اليتيمين، فدعاهما النبي صلى الله عليه وسلم، فساومهما ليتخذه مسجدًا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول اللَّه، فأبى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك، وفي المغازي لأبي معشر فاشتراه أبو أيوب منهما وأعطاهما الثمن، فبناه مسجدًا، واليتيمان هما سهل وسهيل ابنا رافع بن عمرو من بني النجار، كانا في حجر أسعد بن زرارة، وقيل معاذ بن عفراء، وقال معاذ: يا رسول اللَّه، أنا أرضيهما فاتخذه مسجدًا، ويقال: إن بني النجار جعلوا حائطهم وقفًا، وأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل ابن بطال بهذا على صحة وقف المشاع، وقال: وقف المشاع جائز عند مالك، وهو قول أبي يوسف والشافعي خلافًا لمحمد، والصحيح أن بني النجار لم يوقفوا شيئًا، بل باعوه، ووقفه النبي صلى الله عليه وسلم فليس وقف مشاع. اهـ. ذكره العيني، ويمكن الجمع بين روايات الشراء وروايات الصحيحين بأن ما في الصحيحين تعبير عن أول الأمر وما ذكر في غيرهما تعبير عما لحق، فبنو النجار عرضوا التبرع به على أساس أن يعوضوا اليتيمين وهم أولياؤهما، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم ملكية اليتيمين أصر على الشراء وليس في الروايات ما يدل على أن أبا بكر دفع الثمن نيابة عن