الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كل ما فيها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالدفع، فيحتمل أن أبا أيوب قام بالدفع فيكون هو الذي اشترى وأوقف، وليس في الروايات ما يمنع من أن اليتيمين أخذا الثمن من أية جهة، ولا يؤخذ منها أن أشراف بني النجار أخذوا الثمن، فلا تعارض.
٢ - أما نبش قبور المشركين فجائز لأنهم لا حرمة لهم، وإقامة المساجد عليها جائزة إذا لم يسجد المصلي على تراب أجسامهم أو عظامهم، بأن غيبت العظام وستر تراب الأجساد بتراب طاهر جديد، وليس في اتخاذ قبور المشركين مساجد بهذه الصفة تعظيم لهم، لأنه بعد النبش وتغييب العظام وتراب الرفات لم تعد قبورًا ويصير سطح الأرض طاهرًا منهم، والأرض كلها مسجد.
أما نبش قبور المسلمين فلا يجوز لأن حرمة المسلم لا تزول حيًا وميتًا، نعم القبور الدارسة التي لا يعرف حائزوها إذا دعت مصلحة لنبشها وتغييب ترابها وعظامها جاز.
وقد استشكل على الحديث بأنه كيف جاز إخراج المشركين من قبورهم والقبر مختص بمن دفن فيه، وقد حازه، فلا يجوز بيعه ولا نقله عنه، وأجاب العيني عن هذا الإشكال بأن تلك القبور التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنبشها لم تكن ملكًا لمن دفن فيها، بل لعلها غصبت. فلذلك باعها ملاكها، وعلى تقدير التسليم أنها حبست فليس بلازم، إنما اللازم تحبيس المسلمين لا الكفار، ولهذا قالت الفقهاء: إذا دفن المسلم في أرض مغصوبة يجوز إخراجه، فضلاً عن المشرك، وقد يجاب بأنه دعت الضرورة والحاجة إلى نبشهم فجاز. اهـ.
ثم قال: فإن قلت: هل يجوز في هذا الزمان نبش قبور الكفار ليتخذ مكانها مساجد؟ قلت: أجاز ذلك قوم محتجين بهذا الحديث، وليست حرمتهم موتى بأعظم منها وهم أحياء، وإلى جواز نبش قبورهم ذهب الحنفية والشافعي. وقال الأوزاعي: لا يفعل. اهـ.
ثم قال: فإن قلت: هل يجوز أن تبنى المساجد على قبور المسلمين؟ قلت: قال ابن القاسم: لو أن مقبرة من مقابر المسلمين عفت فبنى عليها قوم مسجدًا لم أر بذلك بأسًا، وذلك لأن المقابر وقف من أوقاف المسلمين لدفن موتاهم لا يجوز لأحد أن يملكها، فإذا درست واستغنى عن الدفن فيها جاز صرفها إلى المسجد، لأن المسجد أيضًا وقف من أوقاف المسلمين لا يجوز تملكه لأحد، فمعناهما على هذا واحد، وذكر أصحابنا أن المسجد إذا خرب ودثر ولم يبق حوله جماعة، والمقبرة إذا عفت ودثرت تعود ملكًا لأربابها، فإذا عادت ملكًا يجوز أن يبنى موضع المسجد دارًا وموضع المقبرة مسجدًا وغير ذلك، فإذا لم يكن لها أرباب تكون لبيت المال. اهـ.
والكلام في بناء المساجد على القبور يجرنا إلى الكلام عن حكم بناء المساجد بجوار القبور، أو دفن بعض الموتى الصالحين في ناحية من المسجد أو قريبًا منه، وفي هذا يقول البندنيجي، يكره أن يبنى عند القبر مسجد فيصلى فيه إلى القبر، وأما المقابر الكثيرة إذا بني فيها مسجد ليصلى فيه فلم أر فيه بأسًا. وقال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم ومنع