للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المسلمين عن مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا للتعظيم له ولا للتوجه إليه فلا يدخل في الوعيد المذكور. اهـ.

والحق أنه وإن لم يدخل في الوعيد المذكور المصحوب باللعن إلا أنه لا يحل هذا الفعل شرعًا خصوصًا إذا وضع القبر جهة القبلة، وكذا إذا أدى إلى تعظيم صاحب القبر والتوجه إليه بالدعاء، فعلة النهي تعظيم الميت المقبور مما أدى مع تطاول الأزمان إلى عبادته، ولا يخفى أن سد الذرائع أصل شرعي واجب الاتباع، فبناء المسجد ملاصقًا لقبر، أو بناء قبر صالح في ناحية من المسجد لا يجوز. واللَّه أعلم.

أما الصلاة في المقابر فمكروهة، سواء أكانت بجانب القبر، أو عليه أو إليه، استدلالاً بما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورًا" وبما رواه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام".

وقال النووي في المجموع: إن تحقق أن المقبرة منبوشة لم تصح صلاته فيها إذا لم يبسط تحته شيء لأنه قد اختلط بالأرض صديد الموتى، وإن كانت جديدة لم تنبش صحت صلاته مع الكراهة، هذا مذهب الشافعية، وذهب أبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقابر مطلقًا، وعن مالك روايتان أشهرهما لا يكره ما لم يعلم نجاستها، وقال أحمد: الصلاة فيها حرام، وفي صحتها روايتان وإن تحقق طهارتها.

٣ - ومورد الحديث في هذا الباب الصلاة في مرابض الغنم، وفي الرواية الثانية منه "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم قبل أن يبنى المسجد" قال الحافظ ابن حجر: أي بعد بناء المسجد صار لا يحب الصلاة في غيره إلا لضرورة، وقال ابن بطال: هذا الحديث حجة على الشافعي في قوله بنجاسة أبوال الغنم وأبعارها، لأن مرابض الغنم لا تسلم من ذلك، فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة، وتعقب بأن الطهارة هي الأصل، وعدم السلامة منها غالب، وإذا تعارض الأصل والغالب قدم الأصل ورد بأن التعبير بكان يدل على الملازمة والكثرة والدوام مما تتحقق معه حالة وجود البول والروث وقد حاول البعض أن ينازع هذا الدليل باحتمال وضعهم حائلاً بينهم وبين مواضع البول والروث، وهو احتمال بعيد، فإنهم لم يكونوا يفرشون بينهم وبين الأرض، وحاول ابن حزم أن يجعل الإباحة منسوخة بقوله "قبل أن يبنى المسجد" قال الحافظ ابن حجر وفيه نظر، لأن إذنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في مرابض الغنم ثابت عند مسلم، "عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا". ولم يقل أحد بالفرق بين أبوال الغنم وأبوال الإبل وأرواثهما، فدل على أن الإذن في مرابض الغنم والنهي في مبارك الإبل لشيء لا يتعلق بالطهارة ولا النجاسة، وهو أن الغنم ذات سكينة - لا يخاف من نفارها بخلاف الإبل.

والحق أن الحديث دليل قوي للقائلين بطهارة بول وروث ما يؤكل لحمه وهم المالكية وأحمد ومحمد بن الحسن، والاصطخري والروياني من الشافعية، وهو قول الشعبي وعطاء والنخعي

<<  <  ج: ص:  >  >>