هذه المخاوف دفعت الكثير من الصحابة أن ينتقد عثمان رضي الله عنه في هذا العزم ويحاول إثناءه عن تنفيذه، لكن الخليفة الثالث كان مقتنعًا فروى للقوم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى وشيد مسجدًا يصلي فيه الناس يبتغي بهذا العمل وجه الله ومرضاته بنى الله له بيتًا مثله في الجنة، ورضي كثير من الصحابة وأقروا عثمان على عزمه ووافقوه، ولم تبق المعارضة طويلاً، وتم لعثمان ما قصد، وبنى المسجد النبوي بناء متينًا كريمًا. جزاه الله خير الجزاء ورضي عن الصحابة أجمعين، لقاء حرصهم على تعاليم الشرع ودفاعهم ضد ما يمس الإسلام.
-[المباحث العربية]-
(عند قول الناس فيه) أي في عثمان، وذلك أن بعضهم أنكر عليه تغييره بناء المسجد وتكلموا في عثمان يخطئونه ويلومونه، والجار والمجرور "عند قول الناس فيه" متعلق بقال المحذوفة أي قال عثمان في هذه الحالة.
(حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم) في الكلام مجاز المشارفة، أي حين أراد أن يبني، لأن النقد والإنكار توجه إليه حين خطط للبناء وأعد أدواته قبل أن يبني، ويوضح ذلك ما جاء في الرواية الثانية، أن عثمان أراد بناء المسجد فكره الناس" قال البغوي في شرح السنة: لعل الذي كرهه الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة لا مجرد توسيعه. اهـ. ولم يبن عثمان المسجد إنشاء، وإنما وسعه وشيده، فيؤخذ منه إطلاق البناء في حق من جدده كما يطلق في حق من أنشأه أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد من إطلاق الكل على البعض.
(إنكم قد أكثرتم) هذا مقول عثمان، ومفعول "أكثرتم" محذوف تقديره أكثرتم الكلام والإنكار على فعلي.
(من بنى مسجدًا لله) التنكير فيه للشيوع، فيدخل فيه الكبير والصغير، ووقع عند الترمذي، "صغيرًا أو كبيرًا" والمراد بالمسجد ما يتبادر إلى الذهن، وهو المكان الذي يتخذ للصلاة فيه، ويمكن أن يراد به موضع السجود وهو ما يسع الجبهة، لكن قوله "بنى" يشعر بوجود بناء على الحقيقة، ويؤيده رواية "من بنى لله بيتًا" ويؤيد الثاني رواية "ولو كمفحص قطاة" والقطاة طائر صغير ومفحصه وعشه الذي يضع فيه البيض قدر مكان سجود الجبهة. وسيأتي مزيد إيضاح لهذه المسألة في فقه الحديث.
(قال الراوي: حسبت أنه قال يبتغي به وجه اللَّه) أصل السند: "عن بكير بضم الباء أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه أنه سمع عبد الله الخولاني أنه سمع عثمان بن عفان يقول .... " قال الحافظ ابن حجر: قال بكير: حسبت أنه أي شيخه عاصمًا قال: يبتغي به وجه الله. أي يطلب به رضا الله، والمعنى بذلك الإخلاص، وهذه الجملة لم يجزم بها بكير في الحديث ولم أرها إلا من طريقه