للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هكذا كأنها ليست في الحديث بلفظها، فإن كل من روى حديث عثمان من جميع الطرق إليه لفظهم "من بنى لله مسجدًا" فكأن بكيرًا نسيها فذكر بالمعنى مترددًا في اللفظ الذي ظنه، فإن قوله "لله" بمعنى قوله "يبتغي به وجه الله" لاشتراكهما في المعنى المراد وهو الإخلاص.

(بنى الله له بيتًا في الجنة) إسناد البناء إلى الله تعالى مجاز قطعًا، وإبراز الفاعل فيه لتعظيم ذكره جل اسمه، و"في الجنة" يتعلق ببنى.

(بنى الله له بيتًا مثله في الجنة) لا شك أن المماثلة لا يقصد منها المساواة من كل وجه، إذ موضع شبر في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وبناء الجنة من در وياقوت وسعة الملك فيها مد البصر، ولهذا يكاد العلماء يتفقون أن المماثلة في الكم غير مرادة، واختلفوا في التوجيه على أقوال شتى، فمن قائل: مثله في الجودة والحصانة وطول البقاء، ومن قائل: مثله في مسمى البيت. وأما صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها، فإنها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومن قائل مثله أي مثل فضله أي بمقدار فضل المسجد على بيوت الدنيا يكون فضل البيت الذي يجزى به على بيوت الجنة إلى آخر ما قالوا.

ولعل المماثلة في أصل الصفات لا في مقدارها، فالمسجد الواسع يجازى ببيت واسع وليس في مقدار السعة، والمسجد المشيد يجازى ببيت مشيد بقطع النظر عن ماهية ومدى التشييد، والمسجد في موقع يحتاج إليه ويؤمه الكثيرون يجازى ببيت يتطلع إليه أهل الجنة ويغبطونه عليه. وهكذا، استنبط هذا الفهم من قول بعض شراح الترمذي: يحتمل أنه أراد أن ينبه بقوله "مثله" على الحض على المبالغة في إرادة الانتفاع به في الدنيا في كونه ينفع المصلين ويكنهم عن الحر والبرد، ويكون في مكان يحتاج إليه ويكثر الانتفاع به، ليقابل الانتفاع به في الدنيا انتفاعه هو بما يبنى له في الجنة، اهـ وهو كلام حسن.

-[فقه الحديث]-

-[يؤخذ من الحديث]-

١ - حرص الصحابة على الشريعة وحمايتهم لها وإنكارهم على ولي الأمر ما يرونه منكرًا لا يخشون في الله لومة لائم، وإذا عرفنا حال المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وما زاده عليه عمر حيث لم نجد إنكارًا، عرفنا القدر الذي أنكر على عثمان رضي الله عنه.

بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده باللبن على أساس قليل من الحجارة، وجعل ارتفاع الجدار قامة وبسطة، أي قامة، وزيادة، وجعل طول الضلع مائة ذراع وأضلاعه متساوية، وجعل عمده من جذوع النخل، وسقفه من جريد النخل، مما يمنع الشمس ولا يقي من المطر، حتى رأيناه صلى الله عليه وسلم ليلة القدر يسجد في ماء وطين، ولم يغير فيه أبو بكر شيئًا فقد كانت مدة خلافته قصيرة

<<  <  ج: ص:  >  >>