وأراد أن يصون السنة عن أن يذكر معها غيرها، فقال لبشير: لا أحب أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث، فتعارض فيه بأي قول آخر.
ثم أعاد عمران الحديث، وهو مغضب مكفهر الوجه، محمر العينين.
وأخذت بشير العزة والحمية، فإن في قول عمران طعنا لعقيدته، وفهمه وتصرفه، وما قصد بكلامه الغض من شأن السنة، ولا معارضتها بقول أحد، وإنما قصد أن يفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه يتمشى مع ما هو معروف من إطلاق الحياء أحيانا على ما لا خير فيه.
فلم يخش ثورة عمران، ولا احمرار عينيه، فأعاد قولته السابقة: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله، ومنه ضعف، فاستشاط عمران غيظا، وانتفخت أوداجه، وتحركت أعضاؤه، وكاد يمسك ببشير أو يخرجه من مجلسه، وبشير لا يتحرك.
أما الجلساء فقد أخذوا يهدئون من روع عمران ويطمئنونه على حسن قصد بشير وعلى صحة عقيدته، يقولون: رفقا يا أبا نجيد، عفوا يا أبا نجيد، إحسانا يا أبا نجيد، إن بشيرا منا معشر المقدسين للسنة، المصدقين بكل ما جاءت به، إنه غير متهم في دينه، وليس من أهل البدع والأهواء، حتى هدأ عمران.
-[المباحث العربية]-
(إنه مكتوب في الحكمة) اسم "إن" ضمير الحال والشأن.
(أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحفك) الكلام على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري التوبيخي، أي لا يليق ولا يصح أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحفك.
(كنا عند عمران في رهط) الرهط ما دون العشرة من الرجال خاصة لا يكون فيهم امرأة، وليس له واحد من لفظه، وجمعه أرهط، وأرهاط وأراهط، وأراهيط، والجار والمجرور "في رهط" متعلق بمحذوف حال من اسم كان، أو من الضمير المستكن في خبرها.
(وفينا بشير) بضم الباء وفتح الشين، مبتدأ مؤخر، وخبر مقدم، والجملة في محل النصب على الحال، من الضمير المستكن في خبر كان.
(حتى احمرتا عيناه) هو في كل الأصول بألف "احمرتا" قال النووي: وهو صحيح جار على لغة أكلوني البراغيث، ومثله {وأسروا النجوى الذين ظلموا} [الأنبياء: ٣] على أحد المذاهب فيها، ومثله "يتعاقبون فيكم ملائكة" وأشباهه كثيرة معروفة، ورويناه في سنن أبي داود "واحمرت عيناه" من غير ألف، وهذا ظاهر. اهـ.
(ألا أراني أحدثك) "ألا" حرف تنبيه، و"أحدثك" في محل المفعول الثاني لأرى، والتقدير: أراني محدثك.