(وتعارض فيه) الجملة في محل النصب على الحال من فاعل "أحدثك" والضمير المجرور في "فيه" يعود على الحديث المفهوم من "أحدثك" والتقدير: أراني محدثك حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة معارضتك في هذا الحديث، والمقصود إنكار المعارضة بكلام مقابل مخالف.
(فأعاد بشير) مفعوله محذوف، للعلم به، أي أعاد بشير مقالته.
(ومنه ضعف) بالرفع، مبتدأ مؤخر، والجار والمجرور خبر مقدم، وهو من عطف الجمل، ويجوز في ضاد "ضعف" الفتح والضم، لغتان مشهورتان.
(إنه منا) ضمير اسم "إن" لبشير، ومعنى "إنه منا" أي من عقيدتنا واستقامتنا، وليس ممن يتهم بنفاق أو زندقة.
(إنه لا بأس به) أي لا طعن فيه باتباع أهل الهوى والبدعة، حتى يحمل كلامه على معارضة السنة.
-[فقه الحديث]-
الشبهة الواردة على الحديث هي ما قد يقال: رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير، كأن يحجم صاحبه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف يكون هذا خيرا؟
وأجاب عن ذلك ابن الصلاح بأن مثله ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز ومهانة، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف، أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقي، والحياء الحقيقي كله خير.
وقال الأبي ما معناه: إنه حياء حقيقة، وقوله صلى الله عليه وسلم "الحياء لا يأتي إلا بخير" من قبيل العام المخصوص، إن جعلت الأداة في الحياء للعموم، وإن لم تجعل فالحديث قضية مهملة، والمهملة في قوة الجزئية، ولا تناقض بين جزئيتين، فالمعنى بعض الحياء لا يأتي إلا بخير، وبعض الحياء لا خير فيه. اهـ.
وهذا الذي ذهب إليه الأبي إن قبل في قوله: صلى الله عليه وسلم "الحياء لا يأتي إلا بخير" فإنه لا يقبل في قوله: صلى الله عليه وسلم "الحياء خير كله" و"الحياء كله خير"، فإن ادعاء العام المخصوص، أو ادعاء أن القضية مهملة في قوة الجزئية لا يستقيم مع التأكيد بلفظ "كل".
وتحقيق المسألة أن الحياء في اللغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وهو بهذا المعنى منه الممدوح، ومنه المذموم، منه السكينة والوقار لله، ومنه الضعف والخور، منه ما يأتي بخير، ومنه ما لا يأتي بخير، بل قد يأتي بالضرر والشر.