للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصلاة استدعاه وتوقع معاوية نهرًا وتعنيفًا بل شتمًا وضربًا نظرًا لما لاقاه من الصحابة من استنكار، فإذا به يجد العطف والرحمة والخلق الحسن العظيم يتلقاه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى لسانه، فيسمع تعليمًا هادئًا لينًا، وتعلم منه أن الصلاة لا يحل فيها كلام الناس، وإنما هي تسبيح وتكبير وقراءة القرآن، واطمأن معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وطمع في زيادة عطفه ومروءته واستعذب الحديث معه فاستخرج ما في نفسه من أسئلة دينية، فقال: يا رسول الله، إني حديث عهد بالإسلام. حديث عهد بالجاهلية فاعذرني إذا أخطأت واعذرني إذا استفهمت وفتح له الرسول صلى الله عليه وسلم صدره الرحيم. قال معاوية: منا رجال يتكهنون ورجال يأتون الكهان الذين يزعمون علم الغيب فيسمعون ويعتقدون؟ قال صلى الله عليه وسلم لا تأت الكهان ولا تسمع منهم ولا تعتقد صحة ما يزعمون. قال معاوية: ومنا رجال يتطيرون يتفاءلون بأمر ويتشاءمون من آخر، فما حكم التطير؟ قال صلى الله عليه وسلم: ما يقع في الصدر من الانقباض أو الانبساط أمر غير مكتسب لا حساب عليه، ولكن على المسلم أن لا يعمل على مقتضى التشاؤم، فلا يحل له أن يمتنع من القيام بمصلحة لما حصل في نفسه من التشاؤم.

قال: ومنا رجال يخطون على الرمل وغيره ويدعون أنهم يعرفون الغيب عن طريق هذه الخطوط، قال صلى الله عليه وسلم: كان نبي من الأنبياء قد أعطاه الله علم بعض الغيب عن طريق هذه الخطوط لكن لا نبي بعدي ومدعي علم الغيب بهذه الخطوط كاذب ومنجم وقد يوافق قوله واقعًا صدفة لا علمًا، لا تصدقوهم في مزاعمهم. قال معاوية: وكانت لي أمة جارية ترعى غنمًا لي قرب أحد، فأهملت الحراسة فأكل الذئب شاة من غنمي وأنا إنسان يغضب كما يغضب البشر، فغضبت ولطمتها لطمة قوية. وهأنذا نادم على ما فعلت فكيف أكفر عن ذنبي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذنبك عظيم. إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فعاملوهم بالحسنى قال: يا رسول الله، أأعتقها عقابًا لي على ما فعلت؟ قال: أهي مؤمنة ليكون لك أجر كبير؟ قال: لا أدري. قال: ائتني بها. فأتاه بها، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعبد أوثان الأرض أم تعبد الله؟ قال لها: أين الله؟ قالت في السماء. قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة. فأعتقها.

وفي مجال النهي عن الكلام في الصلاة يورد الإمام مسلم: (١) حديث عبد الله بن مسعود وقوله: كنا إذا دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة سلمنا عليه، فكان يرد علينا السلام، فلما رجعنا من هجرتنا إلى الحبشة من عند النجاشي دخلنا عليه وهو في الصلاة فسلمنا عليه، فلم يرد علينا السلام، فلما انتهى من الصلاة قلنا: يا رسول الله، كنا قبل مهاجرتنا إلى الحبشة نسلم عليك وأنت في الصلاة فترد علينا، فلما سلمنا عليك اليوم لم ترد علينا. فماذا حدث؟ قال: إن الصلاة ينبغي أن يكون الاشتغال بها مانعًا من الاشتغال بغيرها، وإن الله قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة.

(٢) وحديث زيد بن أرقم الأنصاري وأنه قال: كنا نتكلم في الصلاة كلام البشر، يكلم الرجل منا صاحبه الذي بجواره في أمورهما، حتى نزل قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} [البقرة: ٢٣٨] أي ساكنين خاشعين لا تتكلمون إلا بالتسبيح والتحميد والتكبير وقراءة القرآن، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسكوت ونهانا عن الكلام في الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>