للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أسلموا وصلوا قبل الهجرة، وكانوا يصلون بالمدينة كما يصلي المسلمون بمكة في إباحة الكلام في الصلاة لهم، فلما نسخ ذلك بمكة نسخ بالمدينة، فحكى زيد ما كانوا عليه، ورد بعض العلماء هذا القول بإيراد قول زيد في رواية الترمذي "كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة" فقوله "خلف رسول الله" يدل على أن الكلام كان مباحًا بالمدينة إذ لم يصل زيد خلف رسول الله إلا بالمدينة.

ودفع بعضهم الإشكال بأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إن في الصلاة شغلاً" في حديث ابن مسعود كان اجتهادًا منه صلى الله عليه وسلم، وأوحي إليه بتحريم الكلام عند نزول الآية المذكورة بالمدينة. وهذا القول بعيد عن الصواب إذ يستحيل أن يعمل ويأمر غيره أن يعملوا باجتهاده سنوات حتى ينزل القرآن.

ودفع بعضهم الإشكال بأن الكلام نسخ بمكة ثم أبيح ثم نسخت الإباحة بالمدينة، وهذا قول لا يلتفت إليه لأنه قول بتكرير النسخ بدون دليل.

ودفع بعضهم الإشكال بأن زيدًا أراد أن يحكي ما كان يفعل المسلمون، لا ما كان يفعله هو، كما يقول القائل: فعلنا كذا وهو يريد بعض قومه، وهذا قول بعيد.

ودفع بعضهم الإشكال بترجيح حديث ابن مسعود والمصير إليه والسكوت عن حديث زيد، حكاه ابن سريج والقاضي أبو الطيب، وهذا غير مقبول لأن فيه أخذًا بحديث وتركًا لآخر والجمع بين الحديثين مع العمل بهما خير من الترجيح ولا يصار إليه إلا إذا لم يمكن الجمع.

والذي يظهر لي أن حديث زيد رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وحديث ابن مسعود متفق عليه، وليس من السهل أن يرد أحد الحديثين، وإذا تأملنا حديث ابن مسعود وجدناه لا يحمل نهيًا للصحابة عن الكلام، وكل ما فيه أنه لم يرد وأنه قال إن الصلاة تشغله صلى الله عليه وسلم عن الكلام. وهذا غير صريح في نهي الأمة عن الكلام في الصلاة. بخلاف حديث زيد فإنه صريح بالنهي عن الكلام في الصلاة بالمدينة، فلا تعارض بين الحديثين، ونسخ ما كان من جواز الكلام في الصلاة كان بالمدينة. والله أعلم.

فإن قيل: إن لابن مسعود رواية عند أحمد والنسائي وفيها " ... فسلمنا عليه فلم يرد، فأخذني ما قرب وما بعد حتى قضوا الصلاة، فسألته، فقال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإنه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة" أجيب بأن العراقي قال عن هذه الرواية: إنها لا تقاوم الرواية الأولى للاختلاف في راويها.

أما حكم الكلام في الصلاة فيمكن تقسيم كلام المصلي إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يتكلم عامدًا بكلام ليس في مصلحة الصلاة، فتبطل صلاته بالإجماع، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره لحديث معاوية بن الحكم [روايتنا الأولى] وفيه "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" وحديث ابن مسعود [روايتنا الثانية] وحديث جابر [روايتنا الرابعة والخامسة والسادسة] وحديث زيد بن أرقم [روايتنا الثالثة] وغيرها من الأحاديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>