للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يحب مخالفتها، فلما أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به خديجة وبناته الأربع، وثبت أبو العاص زوج زينب على شركه. أما رقية وأم كلثوم فكان قد تزوجهما قبل البعثة عتبة وعتيبة ابنا أبي لهب، فلما أنذر صلى الله عليه وسلم عشيرته ونزل قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب) فارق عتبة وعتيبة رقية وأم كلثوم، وكانا لم يدخلا بهما، وتزوجت رقية عثمان بن عفان، وهاجرت معه الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وتوفيت رقية عند عثمان أثناء غزوة بدر الكبرى، أما أم كلثوم وفاطمة فقد هاجرتا إلى المدينة عقب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فلما توفيت رقية تزوج عثمان أم كلثوم سنة ثلاث من الهجرة، وماتت عنده سنة تسع من الهجرة، ولم تلد له وتزوج على فاطمة بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهي الوحيدة من أولاده صلى الله عليه وسلم التي مات قبلها إذ ماتت بعده بستة أشهر.

ونعود إلى زينب وقد هاجر أبوها وأخواتها إلى المدينة، وبقيت مع زوجها المشرك بمكة. فلما كان يوم بدر أسر زوجها أبو العاص بن الربيع ضمن أسرى بدر، وأرسل أهل الأسرى من قريش بفداء أسراهم، وأرسلت زينب تفتدي زوجها، أرسلت مالاً وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة رضي الله عنها أدخلتها بها على أبي العاص حين تزوجها، تقول عائشة رضي الله عنها: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق رقة شديدة، وقال لأصحابه: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا. قالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها. وأخذ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد أن يخلي سبيل زينب لتهاجر إلى المدينة، فوفى أبو العاص بعهده، ولحقت بأبيها في المدينة ومعها طفلتها الرضيع "أمامة" صاحبة القصة.

ووقع أبو العاص مرة ثانية في الأسر، وتذكرت زينب حسن عشرته ووفاءه، تذكرت أنه بعد أن فارق عتبة وعتيبة أختيها ذهبت قريش إلى أبي العاص تقول له: فارق ابنة محمد وننكحك أي نساء العرب شئت. فقال: لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش. ذكرت أنه لم يتزوج عليها على الرغم من كثرة زواج العرب، ذكرت وفاءه بعهده لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإرسالها إلى أبيها وصبره على بعدها. ذكرت كل ذلك فبرزت من طاقة في بيتها تطل على المسجد والمسلمون في صلاة الفجر، فقالت: أيها الناس. قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما انتهوا من الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلمون ذمة واحدة يجير عليهم أدناهم، وأطلق سراح أبا العاص بن الربيع مرة ثانية، وكانت عنده أمانات وأموال لقريش، فذهب إلى مكة ورد أمانات الناس وأموالهم ثم أعلن إسلامه وهاجر إلى المدينة قبل الفتح، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه زينب على النكاح الأول، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه في مصاهرته، ولم تطل عشرة زينب معه فتوفيت سنة تسع من الهجرة، ولم يعش بعدها أبو العاص طويلاً. إذ توفي في خلافة أبي بكر، أما "أمامة" صاحبة القصة فقد تزوجها "علي" كرم الله وجهه بعد وفاة فاطمة بوصية من فاطمة قبل وفاتها. قال الحافظ ابن حجر: ولم تعقب.

لقد أطلت في ذكر الظروف المحيطة بالحديث، وبدون شعور أجدني منساقًا إلى السيرة العطرة كلما طرقت بابها، وأجدني آثمًا لو حاولت حذف شيء مما كتبت عنها. ومن هذه الظروف يتضح لنا كيف ومتى وصلت "أمامة" لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غيبة وإشفاق على أمها؟ ومدى ما يتصوره قلب والد

<<  <  ج: ص:  >  >>