للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كذلك، فحدثنا يا أبا العباس. قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة من الأنصار. لها غلام نجار. يقول لها: مري غلامك النجار يصنع لي خشبات وأعوادًا درجًا أصعد عليه وأخطب الناس عليه. فأمرت غلامها وكان النجار الوحيد في المدينة واسمه ميمون فصنع المنبر من ثلاث درجات من خشب طرفاء الغابة، أو أثل الغابة الشجر المعروف في الغابة التي تبعد عن المدينة أربعة أميال، وأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع في المكان الذي ترونه، بجوار القبلة لا يفصله عن الحائط إلا قدر مرور العنز. ثم قال: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصعد المنبر مستقبل القبلة وظهره للقوم، فنوى الصلاة وكبر، فكبر الناس خلفه وقام فقرأ ثم ركع ثم رفع وهو على المنبر، ثم رجع بظهره ونزل خطوتين درجتي المنبر، فوصل أصل المنبر فسجد على أرض المسجد بجوار المنبر ثم جلس بين السجدتين، ثم سجد الثانية ثم نهض، فصعد المنبر فقرأ ثم ركع ثم رفع ثم نزل راجعًا القهقرى حتى وصل إلى أصل المنبر فسجد ثم جلس ثم نهض فصعد حتى أتم الصلاة، فأقبل على الناس، فخطبهم فقال: أيها الناس إنما صليت في أعلى المنبر لتروا صلاتي فتتعلموها ولتقتدوا بي [صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين].

هذا وقد كان صلى الله عليه وسلم يخطب القوم بدون منبر مدة طويلة وكان يسند ظهره إلى جذع من جذوع النخل التي رصت في الجدار الذي جهة القبلة، ويروى أنه بعد فترة وضعت له مصطبة كدرجة واحدة من اللبن، ولعلها وضعت أمام الجذع الذي يستند إليه عند الخطبة، لأنه من الثابت أن الجذع الذي كان يخطب عليه قد تأثر حتى روى البخاري عن جابر قال "كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه".

وفي سنة صنع المنبر خلاف بين العلماء، فقد جزم ابن سعد بأنه كان في السنة السابعة، وجزم ابن النجار بأنه كان في السنة الثامنة، وبقي المنبر على حاله ثلاث درجات في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وفي خلافة معاوية زاده مروان عامله في المدينة ست درجات من أسفله، وبقي على هذا الوضع إلى أن احترق مسجد المدينة سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق، ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين وستمائة منبرًا ثم أرسل الظاهر بيبرس منبرًا، فأزيل منبر المظفر ووضع. وتوالت عليه بعد ذلك التعديلات والتغييرات. والله أعلم.

-[المباحث العربية]-

(أن نفرًا جاءوا) النفر من ثلاثة إلى عشرة، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على أسمائهم.

(قد تماروا في المنبر) معناه تجادلوا وتنازعوا واختلفوا، ومنه قوله تعالى: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} [الكهف: ٢٢] والمنبر كما قال أهل اللغة مشتق من النبر وهو الارتفاع، واللام في المنبر للعهد: أي منبره عليه الصلاة والسلام.

(من أي عود هو)؟ في الرواية الثانية "من أي شيء منبر النبي صلى الله عليه وسلم" أي من أي نوع من الخشب؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>