يضرب الإسلام المثل الأعلى في المحافظة على النظافة، والمثل الأعلى في مراعاة شعور الآخرين، والمثل الأعلى في التواضع.
أما الأول فيتمثل في صيانة المساجد ووقايتها من الأوساخ مهما كانت دوافع هذه الأوساخ.
إن العرب في بداوتهم لم تكن لديهم مناديل، وكانت أطعمتهم وحياتهم وبيئتهم يكثر معها التنخم والبصاق وكانت عادتهم - وأرضهم رملية وشاسعة يغوص فيها البصاق ولا يظهر له أثر - كانت عادتهم إذا رغبوا في البصق أو النخامة قذفوها على أي جهة وقعت، يمينًا أو شمالاً أو أمامًا. فلما بنيت المساجد وأقيم حائط القبلة كان بعض منهم في الصف الأول يبصقون على الجدار المواجه لهم أحيانًا. ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة على جدار القبلة - ومن حكمته كمعلم للإنسانية أن ينتهز الفرص، ويختار الظرف المناسب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - رأى نخامة، فقام في الناس فقال: إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة ناجى ربه، ومن شأن المناجي والمناجى أن يواجه كل منهما الآخر، إن ربكم في مواجهتكم، فلا يبصق أحد في وجهه؟ إذا تنخع أحدكم واحتاج إلى دفع البصاق فليدفعه عن يساره وتحت قدمه، فإن لم يستطع فليأخذ بطرف ثوبه وليبصق فيه وليطبق طياته بعضها على بعض يمسح بها بصاقه ويزيل جرمه.
بقي أن يظنوا أن النهي خاص بحائط القبلة، وأنه لا نهي عن البصاق على أرض المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم البصاق في المسجد في أي مكان فيه خطيئة وذنب لا يمحوها إلا إزالة البصاق، وإزالته بدفنه في التراب، وعلى المسلم أن يجتنب الخطيئة أصلاً ويبتعد عنها فلا يبصق، فإن وقع في الخطيئة وبصق فليسرع بالتكفير عن خطيئته ويدفن نخامته في التراب.
إن البصاق قبيح المنظر تشمئز منه النفس، ويجب على كل مسلم أن يراعي شعور أخيه المسلم ولا يؤذيه. إن الإسلام حريص على التجاوب والتقارب بين أبنائه، ويحارب كل ما يورث الكراهية أو تأذي المسلم من المسلم، فنهى عن البصق وأمر بإزالته إذا وقع.
الأمر الواضح في هذه الأحاديث أن يتنازل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الإمام والقائد، ويضرب المثل لكل فرد من أفراد أمته أن يقتدوا به، فيتقدم بنفسه ويأخذ حصاة من الأرض ويتجه إلى البصاقة في جدار المسجد فيحكها حكًا مستمرًا حتى يزيل جرمها وأثرها. فما أعظم التشريع السماوي في نظافته وحرصه على شعور الآخرين. وعلى كل ما يحبب المسلم للمسلم ويباعد بينه وبين ما يورث الكراهية والبغضاء.
وما أعظمك وأجلك يا صفوة خلق الله، وما أحلمك وما أشد تواضعك حين تضرب لنا المثل الأعلى لما ينبغي أن يكون عليه الحاكم والقائد.