المسلمين، ودين تكريم اليمين، ودين التقديس لأماكن العبادة، ولا شك أن ما يخرج من الفم بأنواعه، ابتداء من النفث وانتهاء بالنخاعة أمر مستقذر، لكنه قد يضطر إليه المسلم، أو يحتاجه، أو يعتاده عادة تغلب عليه، وحينئذ يجب عليه أن يستخدم وسائل تحقق أهداف الإسلام ومقاصده التي ذكرناها.
ففي خارج المسجد وخارج الصلاة ونعني بالمسجد أماكن الصلاة المعتادة ولو مصلى، كما لو كان في البيت أو في المكتب أو في الطريق أو في صحراء فإن كان معه أحد، أو يحتمل أن يراه أحد فليحذر من إيذائه بذلك ولو بالرؤية، وإن لم يكن معه أحد ولا يحتمل أن يراه أحد فليحذر القذف إلى الأمام أو إلى اليمين، وليحذر الإساءة إلى المكان بالقذر، ولو كان المكان بيت الخلاء.
وإذا كانت أحاديث الباب قد تعرضت للتفل والنخامة في حائط المسجد أو في الصلاة فإن أحاديث أخرى جاءت مطلقة، ففي البخاري، "إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى" وفيه "لا يتفلن أحدكم بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت رجله".
ولسنا مع الذين يحملون المطلق على المقيد فيخصون النهي بالمسجد وبالصلاة مراعاة لخصوص السبب، ولا مع الذين يحصرون العلة في تقديس المسجد وحمايته من القاذورات، فإن عمل الصحابة بعد صدور النهي يوحي بأنهم اعتمدوا التعميم والإطلاق، فعن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في الصلاة، وعن معاذ بن جبل قال: ما بصقت عن يميني منذ أسلمت وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقًا، وهذه كلها تشهد المنع المطلق ويعجبنا في هذا المقام ما جزم به النووي من المنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها وسواء أكان في المسجد أم في غيره.
إن الأذى بالنخامة لا يقتصر على المسجد، كما هو معروف ومشاهد، بل إن بعض النخامات تحمل "ميكروبًا" وجراثيم تعدي السليم إذا لاقاها، بل قد تنتقل منها الجراثيم محمولة على الهواء القريب، أضف إلى ذلك التقزز والاشمئزاز الذي يصيب الرائي فيؤثر على غدده وأمعائه.
وإذا كانت الأحاديث قد عالجت النخامة بدلكها بالقدم اليسرى أو بتغييبها في الأرض، فإنما كان ذلك اقتصارًا على الوسيلة المقدورة آنذاك، مع وضعها في بعض أجزاء الثوب إن خيف من تلك الوسيلة أو لم تتيسر. وفي هذه الأزمان. وقد أصبحت الأرض في أكثر أماكن إقامتنا مفروشة أو صلبة مبلطة ونظيفة لا يغيب معها أثر النخامة، بل قد تزيدها القدم سوءًا وقذرًا. وجب أن لا يستخدم المسلم قدمه اليسرى، ووجب أن يتخذ لنفسه منديلاً أو قطعة من القماش أو الورق، فإن لم يجد فجزء ثوبه، وبحيث لا يراه أحد ولا يتأذى به ما أمكن، ولو أدى ذلك إلى كتمان نفسه بعض الشيء ومغالبة النازل.
وإذا كان بعض العلماء قد ذهب إلى أن النهي لكراهة التنزيه، فإننا نرى أن الأمر ليس على