الخميصة وهاتوا لي الكساء الآخر الذي احتفظ به لنفسه وآثرني بهذا الكساء. وردوه وجاءوا بالكساء الثاني الذي لا أعلام ولا خطوط فيه.
وهكذا ينبه صلى الله عليه وسلم أمته أن يزيلوا كل ما من شأنه أن يلهي المصلي في صلاته، وألا يضعوا أمام المصلي ما يحول بينه وبين الخشوع والخضوع، فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. إنك سميع مجيب.
-[المباحث العربية]-
(صلى في خميصة لها أعلام)"الخميصة" بفتح الخاء وكسر الميم كساء أسود له علمان أو أعلام ويكون من خز أو صوف، ولا يسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، سميت بذلك للينها، ورقتها وصغر حجمها إذا طويت مأخوذ من الخمص وهو ضمور البطن.
وجملة "لها أعلام" صفة لخميصة، صفة كاشفة، لأن الخميصة كما قلنا لا تكون إلا معلمة، وهذا الوصف الملازم ذكر لبيان أنه السبب في المنع، وليس الجمع شرطًا، ففي الرواية الثالثة "لها علم".
(شغلتني أعلام هذه) في الرواية الثانية "ألهتني" وفي رواية للبخاري "فأخاف أن تفتنني" قال النووي: معنى هذه الألفاظ متقارب، وهو اشتغال القلب بها عن كمال الحضور في الصلاة. و"ألهى" رباعي "لهى" يقال: لهى الرجل عن الشيء يلهى إذا غفل، وهو من باب علم، وأما "لها" يلهو إذا لعب فهو من باب نصر.
(فاذهبوا بها إلى أبي جهم) بفتح الجيم وسكون الهاء، واسمه عامر بن حذيفة العدوي القرشي المدني الصحابي، أسلم يوم الفتح، وكان معظمًا في قريش، وعالمًا بالنسب، شهد بنيان الكعبة مرتين مات في آخر خلافة معاوية.
(وائتوني بأنبجانية) قال الحافظ ابن حجر: "الأنبجانية" بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الباء وتخفيف الجيم وبعد النون ياء النسب كساء غليظ لا علم له، وقال ثعلب: يجوز فتح همزته وكسرها، وكذا الباء وقال بعض أهل اللغة: وهذه النسبة إلى موضع يقال له: أنبجان. وقال ابن حبيب في شرح الموطأ: هي كساء غليظ، يشبه الشملة، يكون سداه قطنًا غليظًا أو كتانًا غليظًا ولحمته صوف ليس بالمبرم في فتله لين غليظ، يلتحف به في الفراش، وقد يشتمل بها في شدة البرد. اهـ و"أنبجانية" في الأصل صفة لمؤنث "أي كسوة أنبجانية".
(آنفًا) أي ابتداء، وكذلك الاستئناف، ومنه أنف كل شيء، وهو أوله، وانتصابه على الظرفية. قال ابن الأثير: قلت الشيء آنفًا أي في أول وقت يقرب مني.
(وأخذ كساء له أنبجانيا)"له" أي لأبي جهم، أي أخذ صلى الله عليه وسلم من أبي جهم كساء له من هذا النوع الذي لا علم فيه.