لغيره فصنعته حرام بكل حال، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو إناء أو حائط أو غيرها، وأما تصوير غير الحيوان من الشجر والجبال والأرض وغير ذلك فليس بحرام. اهـ وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل. وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره، قال القاضي عياض: إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة في ذلك.
٤ - وقد يقال: كيف يرضى صلى الله عليه وسلم لأبي جهم ما لم يرضه لنفسه حيث أرسل إليه الخميصة؟ وأجيب بأنه لم يقصد أن يصلي فيها أبو جهم بل لينتفع بها في غير الصلاة، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في خلة عطارد حيث بعث بها إلى عمر:"إني لم أبعث بها إليك لتلبسها".
وقيل: إن أبا جهم كان أعمى، فالإلهاء مفقود عنه، وقيل: إن مقام الرسول العالي جعله يرسل بها إلى أبي جهم، وكأن هذا الصفاء المطلوب في الصلاة هو المناسب لمقام النبوة، فهو من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم "كل فإني أناجي من لا تناجي" وهذا القول بعيد، فالحكم عام.
فإن قيل: ما وجه تعيين أبي جهم في الإرسال إليه؟ أجيب بأن أبا جهم هو الذي أهداها له صلى الله عليه وسلم، فلذلك ردها عليه، فقد روى الطحاوي عن عائشة قالت:"أهدى أبو جهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم خميصة شامية لها أعلام، فشهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، فلما انصرف قال: ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم فإنها كادت تفتنني".
فإن قيل: كيف خاف صلى الله عليه وسلم على نفسه الافتتان وهو لا يلتفت إلى الأكوان، بل إن مراقبة الله شملت خلقًا من أتباعه حتى قيل: إن السقف وقع إلى جانب مسلم بن يسار فلم يعلم به؟ أجيب بأن للنبي صلى الله عليه وسلم حالتين. حالة يقول فيها "لست كأحدكم" أو يقول "وأيكم مثلي" وحالة يقول فيها "إنما أنا بشر مثلكم" فكانت الخميصة من الحالة الثانية.
-[٥ - ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - الحث على حضور القلب في الصلاة وتذكر أذكارها وتلاوتها ومقاصدها.
٢ - منع النظر من الامتداد إلى ما يشغل، قال النووي: قال أصحابنا: يستحب له النظر إلى موضع سجوده، ولا يتجاوزه، وقال بعضهم: يكره تغميض العينين، قال النووي: وعندي لا يكره إلا أن يخاف ضررًا.
٣ - إزالة ما يشغل القلب ويلهي عن الصلاة.
٤ - أن اشتغال الفكر اليسير في الصلاة غير قادح فيها، وأن الصلاة تصح وإن حصل فيها فكر في شاغل ونحوه مما ليس متعلقًا بالصلاة، قال النووي: وهذا بإجماع الفقهاء، وحكي عن بعض السلف والزهاد أنه يضر، وهذا القول غير معتد به في الإجماع.