البقلة فلا يقربن مساجدنا حتى يذهب ريحها". "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا". "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا، ولا يؤذينا بريح الثوم". "من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس". "من أكل ثومًا أو بصلاً فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته". "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يقربنا في المسجد".
ولكثرة النهي بالأساليب المختلفة كاد الصحابة يعتقدون حرمة أكل الثوم والبصل والكرات النيئ لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لهم أن أصل حل الكل قائم، وأن المنع إنما هو لمن أدى أكله إلى إيذاء الآخرين لكنهم مع ذلك ظل همهم الخوف من أكلها، لأن المسلم عرضة للقاء المسلم بين الحين والحين حتى لو قعد في بيته.
ويتضح هذا الاهتمام جليًا أن هذا الأمر كان ضمن وصايا عمر الأساسية عند وفاته، فإنه بعد أن طعن رضي الله عنه خطب يوم الجمعة كعادته، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالتجلة والإكبار والإعظام والثناء عليه، ثم ذكر أبا بكر فمدحه وأثنى على ما قام به من خدمات الإسلام، ثم قال للناس: إني رأيت في المنام كأن ديكًا نقرني بمنقاره ثلاث نقرات، وكان عمر ممن يعبر الرؤى، فعبر النقر بنهاية الأجل، وعبر الثلاث بتأكيده، فقال للناس: وإني لا أرى ولا أظن تفسير ذلك إلا أنه قد حان أجلي، وإن جماعة من المسلمين يطلبون مني أن أعين الخليفة بعدي، وإن آخرين يطلبون مني أن أترك الأمر شورى بين المسلمين. فإن أجبت الأولين واستخلفت فأبو بكر فعل ذلك، وإن أترك الأمر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وقد قررت أن أجمع بين الحسنيين، فأستخلف ستة من خيرة المسلمين وممن زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [وهم عثمان بن عفان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف] لا ليحكموا سويًا، وإنما إذا عجل بي اجتمعوا واختاروا من بينهم خليفة للمسلمين، وقد علمت أن أقواماً يطمعون في الخلافة، أو لهم ميول الآخرين للخلافة، لا يقصدون بذلك وجه الله، فإن جهروا وتمردوا على ذلك، وأثاروا بين المسلمين فتناً فأولئك هم المنافقون الكفرة الضلال، الذين لا يقدرون على مواجهتي بما في أنفسهم لأن الله يكشفهم ويخزيهم على يدي إن فعلوا ذلك، إنهم منافقون خنسوا بحزمي وعزمي، ينتهزون فرصة غيابي ليبعثوا الفوضى بينكم وليحققوا أحلامًا ضد دينكم، فإن فعلوا فاضربوا على أيديهم.
ثم إني لا أخشى عليكم في دينكم "وليس عندي ما أوصيكم به، وما يشغلني في أشد لحظاتي وأضيقها سوى أمرين. أمر الكلالة [أي من يرث الميت إذا لم يترك أصلاً ولا فرعًا وارثًا وترك زوجًا وإخوة لأم وإخوة لأم وأب] وقد راجعت في حكمها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً راجيًا أن ينزل من السماء ما يشفي صدري في حكمها. وأمر الشجرة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكلها عند اجتماعات المسلمين، فمن أكلها منكم فليأكلها مطبوخة ميتة الرائحة. أما قاتلي فإن أعش حكمت فيه بحكم المسلمين من يقرأ القرآن ويفهم أحكامه ومن لا يقرؤه، وأما من وليتهم أمور المسلمين فقد بذلت جهدي في اختيارهم وفي توصيتهم بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله.