للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر البخاري الروايتين؛ زعم بعضهم أن لفظة "بقدر" تصحيف لأنها تشعر بالطبخ، وقد ورد الإذن بأكل البقول مطبوخة، بخلاف الطبق، فظاهره أن البقول كانت فيه نيئة. والذي يظهر لي أن رواية القدر أصح ما جاء في حديث أبي أيوب، إذ فيه التصريح بالطعام ولا تعارض بين امتناعه صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم وغيره مطبوخاً وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخاً، فقد علل ذلك في حديث أبي أيوب عند مسلم في قصة نزول النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "إني لست كأحد منكم" وقد جمع القرطبي بين الروايتين بأن الذي في القدر لم ينضج حتى تضمحل رائحته فبقي في حكم النيئ. انتهى كلام الحافظ.

والذي يظهر لي أن كلام القرطبي ليس جمعاً بين الروايتين، وإنما هو جمع بين امتناعه صلى الله عليه وسلم عن أكل هذا الطعام وفيه الثوم مطبوخاً وبين إذنه لهم في أكله مطبوخاً وطريق الجمع بين روايتي "بقدر" و"ببدر" أن يقال: إن القوم كانوا لبداوتهم وضيق حالهم يستخدمون قدورهم الصغيرة كأطباق: ومازال هذا الوضع قائماً في ريف مصر، فيصح أن يطلق عليه "قدر" باعتبار الحقيقة، و"بدر" باعتبار الاستعمال، ولا يتوقف الإطلاق على ما فيه من طعام، سواء كان مطبوخاً أم نيئاً، والله أعلم.

وقوله "فيه خضرات" بضم الخاء وفتح الضاد، كذا ضبط في بعض الروايات، وضبط في بعضها بفتح الخاء وكسر الضاد، وهو جمع خضرة، ويجوز مع ضم أوله ضم الضاد وتسكينها أيضاً. ذكره الحافظ ابن حجر. وقوله "من بقول" كلمة "من" فيه بيانية، والمعنى فيه خضرات أي بقول، ويجوز أن تكون تبعيضية.

(فقال: قربوها ... إلى بعض أصحابه) قال الكرماني: ففي هذا جواز النقل بالمعنى، إذ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقله بهذا اللفظ، بل قال: قربوها إلى فلان مثلاً أو فيه حذف، أي قال: قربوها مشيرًا أو أشار إلى بعض أصحابه.

(فإني أناجي من لا تناجي) أي الملائكة.

(من أكل من هذه البقلة الثوم) "الثوم" بدل من هذه البقلة.

(فلا يغشنا في مسجدنا) "يغشنا" بفتح الياء وسكون الغين وفتح الشين: مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، والغشيان الإتيان، وفي رواية البخاري "فلا يغشانا في مساجدنا" بصيغة النفي التي يراد بها النهي، قال الكرماني: أو على لغة من يجري المعتل مجرى الصحيح، أو أشبع الراوي الفتحة، فظن أنها ألف.

(فوقعنا -أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم- في تلك البقلة) أي فوجدنا أنفسنا في مزرعة ثوم أو أمامها. وقوله "أصحاب رسول اللَّه" منصوب على الاختصاص.

(من أكل من هذه الشجرة الخبيثة) سماها خبيثة لقبح رائحتها قال أهل اللغة: الخبيث في كلام العرب المكروه من قول أو فعل أو مال أو طعام أو شراب أو شخص. قاله النووي.

<<  <  ج: ص:  >  >>