للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما التاسعة عشرة والعشرون فهما فيمن سلم من ثلاث في رباعية، وفيهما أنه أكمل الصلاة ثم سلم، ثم سجد للسهو، ثم سلم.

وإذا تجاوزنا روايات الإمام مسلم التي استعرضناها في هذا الباب وجدنا الأحاديث الصحيحة في الكتب الأخرى لا تخرج عما ذكرنا، وما روي مخالفًا لذلك لا يقاوم الصحيح كما سيأتي.

وقد كثر خلاف الفقهاء في مشروعية السلام قبل سجود السهو وبعده.

(أ) فذهب داود الظاهري إلى أنه لا يسجد للسهو إلا في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم للسهو، وبالأوضاع الواردة نفسها، فيقتصر على ما ورد، وغير ذلك إن كان فرضًا أتى به، وإن كان ندبًا فليس عليه شيء.

(ب) وذهب الإمام أحمد والحنابلة إلى أنه يسجد قبل السلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل السلام، وبعد السلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد السلام، وما كان من السجود في غير تلك المواضع يسجد له أبدًا قبل السلام، قال ابن قدامه في المغني: السجود كله عند أحمد قبل السلام إلا في الموضعين اللذين ورد النص بسجودهما بعد السلام، وما عداهما يسجد له قبل السلام.

(جـ) وذهب الإمام مالك والشافعي في قول له إلى التفرقة بين السهو بالزيادة والسهو بالنقص، فيسجد للزيادة بعد السلام وللنقص قبله. قال ابن عبد البر: وبهذا القول يصح استعمال الخبرين جميعًا، قال: واستعمال الأخبار على وجهها أولى من ادعاء النسخ، ومن جهة النظر والفكر الفرق بين الزيادة والنقص بين في ذلك، لأن السجود في النقصان إصلاح وجبر، ومحال أن يكون الإصلاح والجبر بعد الخروج من الصلاة، وأما السجود في الزيادة فإنما هو ترغيم للشيطان، وذلك ينبغي أن يكون بعد الفراغ. قال ابن العربي: مالك أسد قيلاً وأهدى سبيلاً. اهـ، وقال ابن دقيق العيد: لا شك أن الجمع أولى من الترجيح وادعاء النسخ، ويترجح الجمع المذكور بالمناسبة المذكورة، وإذا كانت المناسبة ظاهرة، وكان الحكم على وفقها كانت علة، فيعم الحكم جميع محالها، فلا تخصص إلا بنص اهـ وتعقب بأن كون السجود في الزيادة ترغيمًا للشيطان فقط ممنوع، بل جبر أيضًا لما وقع من الخلل، فإنه وإن كان زيادة فهو نقض وقصر في المعنى، وإنما سمى النبي صلى الله عليه وسلم سجود السهو ترغيمًا للشيطان في حالة الشك وليس في حالة الزيادة كما ذهب إليه المالكية. وقال الخطابي: لم يرجع من فرق بين الزيادة والنقصان إلى فرق صحيح، وأيضًا فقصة ذي اليدين وقع فيها السجود بعد السلام وهي عن نقصان، اهـ[يشير إلى روايتنا الخامسة عشرة].

(د) وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري -وحكى قولاً للشافعي: إن سجود السهو كله بعد السلام، واستدلوا بحديث ذي اليدين، روايتنا الخامسة عشرة وفيها "فصلى ركعتين وسلم، ثم كبر ثم سجد، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع، وروايتنا السادسة عشرة، وفيها "فأتم ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم" كما استدلوا بحديث عمران بن حصين، روايتنا التاسعة عشرة، وفيها "فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين ... " وروايتنا المتممة للعشرين، وفيها "فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو ... "

<<  <  ج: ص:  >  >>