كما احتجوا بما رواه الترمذي من حديث الشعبي قال:"صلى بنا المغيرة بن شعبة، فنهض في الركعتين، فسبح به القوم وسبح بهم، فلما صلى بقية صلاته سلم، ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس ثم حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل بهم مثل الذي فعل" وبما رواه الطبراني من حديث محمد بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قال: "صليت خلف أنس بن مالك صلاة، فسها فيها، فسجد بعد السلام، ثم التفت إلينا وقال: أما إني لم أصنع إلا كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع" وبأحاديث أخرى في ابن خزيمة وأبي داود وابن ماجه وأحمد وعبد الرزاق والطبراني، وكلها أحاديث لا تقاوم الصحيح.
كما استدلوا بحديث ابن مسعود - روايتنا التاسعة - وفيها أنه صلى الله عليه وسلم سجد بعد ما صلى خمسًا وسلم، وتعقب بأنه لم يعلم بزيادة الركعة إلا بعد السلام، حين سألوه، هل زيد في الصلاة؟ وقد اتفق العلماء في هذه الصورة على أن سجود السهو بعد السلام، لتعذره قبله، لعدم علمه بالسهو وإنما تابعه الصحابة -ولم يسجدوا للسهو قبل السلام - لتجويزهم الزيادة في الصلاة، لأنه كان في زمن توقع النسخ. وقال ابن خزيمة: لا حجة للعراقيين في حديث ابن مسعود، لأنهم خالفوه، فقالوا: إن جلس المصلي في الرابعة مقدار التشهد أضاف إلى الخامسة سادسة، ثم سلم، وسجد للسهو، وإن لم يجلس في الرابعة لم تصح صلاته، ولم ينقل في حديث ابن مسعود إضافة سادسة ولا إعادة، ولا بد من أحدهما عندهم. اهـ
كما استدلوا بالزيادة الواردة في حديث ابن مسعود. وهي "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين" ورد بأن هذا معارض بحديث أبي سعيد عند مسلم - روايتنا السابعة، وفيها "فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم".
(هـ) وذهب الشافعي في الجديد إلى أن سجود السهو كله قبل السلام واستدلوا بالأحاديث التي ذكر فيها السجود قبل السلام كالروايات الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والعاشرة، وبما جاء في الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا سها أحدكم في صلاته فليسجد سجدتين قبل أن يسلم" وقال الترمذي. حسن صحيح. وما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة المروي في مسلم في الرواية الثانية من زيادة "فليسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم ليسلم" وما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا شك أحدكم في صلاته ... فإذا فرغ فلم يبق إلا التسليم فليسجد سجدتين وهو جالس ثم ليسلم".
(و) وذهب إسحق بن راهويه إلى أنه يستعمل كل حديث كما ورد، وما لم يرد فيه شيء، فما كان نقصًا سجد له قبل السلام، وما كان زيادة فبعد السلام، قال الحافظ ابن حجر: فحرر إسحق مذهبه من قولي أحمد ومالك، وهو أعدل المذاهب فيما يظهر، اهـ
هذه أهم المذاهب في موضع سجود السهو من الصلاة، ولو ذهبنا نرجح ونختار لطال بنا المقام، وتعرض قولنا للرد، ويكفي أن نرى بعض الشافعية يؤيدون المالكية، فنرى النووي يقول: أقوى المذاهب فيها قول مالك ثم أحمد وغيره، ويقول: بل طريق أحمد أقوى، لأنه قال: يستعمل كل حديث فيما ورد فيه، وما لم يرد فيه شيء يسجد قبل السلام. وقال: ولولا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في