ذلك لرأيته كله قبل السلام، ولأنه من شأن الصلاة فيفعله قبل السلام، اهـ ورأينا الخطابي يرد قول المالكية. وأخيرًا رجح البيهقي طريقة التخيير في سجود السهو قبل السلام أو بعده.
ولو عرفنا حكم تقديم السجدتين على السلام أو تأخيرهما عنه لهان الأمر ووجدناها معركة في غير ميدان، أو زوبعة في فنجان، فقد نقل الماوردي وغيره الإجماع على جواز هذا أو ذاك، وإنما الخلاف في الأفضل، وكذا قال ابن عبد البر: إنه لا خلاف عن مالك أنه لو سجد للسهو كله قبل السلام أو بعده أن لا شيء عليه، وصرح صاحب الهداية بأن الخلاف عند الحنفية في الأولوية، نعم حكى إمام الحرمين في النهاية خلافًا في الإجزاء على المذهب الشافعي، وحكى القرطبي خلافًا في الإجزاء في مذهب المالكية، وحكى القدوري خلافًا في الإجزاء في مذهب الحنفية، قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يقال: إن الإجماع الذي نقله الماوردي وغيره قبل هذه الآراء في المذاهب المذكورة، اهـ ويمكن أن يقال على هذا: إن المعتمد في المسألة أن الخلاف في الأولى والأفضل، والله أعلم.
٤ - وسجود السهو مسنون كله عند الشافعية، وعند المالكية هو واجب للنقص دون الزيادة، وعند الحنابلة التفصيل بين الواجبات غير الأركان، فيجب السجود لتركها سهوًا، وبين السنن القولية فلا يجب، وكذا يجب إذا سها بزيادة فعل أو قول يبطلها عمده، وعند الحنفية واجب كله، وحجتهم قوله في حديث ابن مسعود "ثم ليسجد سجدتين" والأمر للوجوب وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، وأفعاله صلى الله عليه وسلم محمولة على البيان، وبيان الواجب واجب، لا سيما مع قوله "صلوا كما رأيتموني أصلي".
أما كيفيته فقد وصفتها روايتنا الخامسة عشرة، وفيها "ثم كبر ثم سجد، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد، ثم كبر ورفع" فهو سجدتان، فلو اقتصر على واحدة ساهيًا لم يلزمه شيء، أو عامدًا بطلت صلاته، لأنه تعمد الإتيان بسجدة زائدة ليست مشروعة. كذا عند الشافعية، وعند الحنفية لا شيء عليه لو اقتصر على سجدة واحدة ساهيًا أو عامدًا، قال العيني: كيف تبطل الصلاة إذا زاد فيها شيئًا من جنسها؟ اهـ. ونسأله ماذا يرى لو زاد ركعة عامدًا في أي صلاة؟ لو لم نقل بالبطلان لصلى المسلمون الثنائية ثلاثية، والثلاثية رباعية والرباعية خماسية عامدين، وانتهى التشريع الإلهي.
والتكبير في سجدتي السهو مشروع بالإجماع كما هو في سجود الصلاة والجهر به كما في الجهر به في سجود الصلاة، وتكبير الصلوات كله سنة غير تكبيرة الإحرام، فهي ركن، وهو قول الجمهور، وعند أحمد والظاهرية أن تكبير الصلوات كله واجب.
ولا خلاف أن سجود السهو الواقع قبل السلام لا يحتاج إلى تكبيرة إحرام إنما الخلاف في السجود الذي يقع بعد السلام، هل يشترط له تكبيرة الإحرام، أو يكتفى بتكبيرة السجود؟ قال الحافظ ابن حجر: الجمهور على الاكتفاء، وهو ظاهر غالب الأحاديث. وحكى القرطبي أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو، قال: وما يتحلل منه بالسلام لا بد له من تكبيرة الإحرام. اهـ والجلوس بين سجدتي السهو مشروع، ولا خلاف فيه.
ومن مجموع الأحاديث في هذا الباب يستفاد أنه لا تشهد بعد سجود السهو وهذا ما عليه الجمهور